مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ)، وقال - تعالى -: (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ. . .)، فبين اللَّه - تعالى - أنه هو الذي تفضل بتزكية من زكا.
وجائز أن يصرف إلى العبد؛ فيكون قوله: (زَكَّاهَا)، أي: صاحبها، وكذلك قوله: (وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا) يحتمل هذين الوجهين؛ فيكون اللَّه - تعالى - هو الذي أنشأ فعل الضلال؛ فيكون الفعل من حيث الإنشاء من اللَّه تعالى، ومن حيث العمل من العبد.
ثم قوله: (مَنْ دَسَّاهَا)، أي: أخفاها، وإخفاؤها: أنه صيرها بحيث لا تذكر في المحافل إلا بالذم، وزكى الأخرى، أي: أظهرها حتى ينظر إليها الناس بعين التبجيل والتعظيم.
وهكذا شأن المتقي أن يكون مبجلا معظما فيما بين الخلق، والفاجر يعيش مذموما مهانا فيما بين الخلق.
أو يرجع الإظهار والإخفاء إلى الآخرة: فيجلّ قدر المتقي المزكي، ويخمل ذكر الفاجر.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (دَسَّاهَا) من " دسَّسْت "، فأسقط السين، وأبدل مكانها الياء.
ثم الإضافة في قوله: (دَسَّاهَا) إلى اللَّه - تعالى - على خلق ذلك الفعل منه، وفي قوله: (مَن زكَّاهَا) على التوفيق.
* * *
قوله تعالى: (كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا (11) إِذِ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا (12) فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا (13) فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاهَا (14) وَلَا يَخَافُ عُقْبَاهَا (15).
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا):
ولم يبين لمن كذبوا، وقد بينه في آية أخرى فقال: (كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ).
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (بِطَغْوَاهَا) يحتمل وجهين:
أي: لأجل معصيتها وطغيانها؛ إذ الحامل لهم على التكذيب طغيانهم وتركهم التفكر في أمره؛ وإلا لو تفكروا فيما جاءهم به رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - لم يجدوا موضع التكذيب.
والثاني: بأهل طغواها، أي: كذبت ثمود بسبب أهل الطغيان؛ فيكون في هذه الآية