التحريم لم يكن منصرفا إليه، ويحتمل أن يكون التحريم شاملاً له، ثم استثناه بما ذكر العباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - من حاجة أهل مكة إليه؛ لما لم يكن بين ما ذكر من التحريم والتحليل كثير مدة يجري في مثلها النسخ، ولكن ترك بيان الحل إلى أن سأله العباس - رضي اللَّه عته - ثم بين.
وهو دليل قول أصحابنا - رحمهم اللَّه -: إن تأخير البيان جائز.
ثم قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ) يحتمل وجهين:
أحدهما: أن يكون القسم منصرفا إلى نفسه؛ فأقسم به؛ لما عظم من أمره وشأنه؛ كأنه قال - عَزَّ وَجَلَّ -: لا أقسم بهذا البلد وبالذي هو حل بهذا البلد.
أو يكون منصرفا إلى مكة، ويكون قوله: (وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ) خرج مخرج التعريف بمكة؛ لكونه فيها، أي: البلد الذي أنت نازل به، وحال به، أو حلال فيه.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ (3):
قَالَ بَعْضُهُمْ: الوالد هو آدم عليه السلام (وَمَا وَلَدَ): هم أولاده وذريته، ولكن آدم - عليه السلام - وأولاده ليسوا بمخصوصين بالدخول تحت اسم الولد والوالد؛ بل ذلك فيهم، وفي جملة الروحانيين؛ فيكون القسم بالخلائق أجمع، ويكون (وَمَا) على هذا التأويل بمعنى " الذي ".
ومنهم من جعل أن " ما ": " ما " جحد؛ ققال: " وما ولد " أي: الذي لا يلد وهو العاقر، فأقسم بالبشر جملة من يلد منهم ومن لا يلد، وأقسم بهم - أيضا - لما جعلهم مفضلين على كثير من الخلائق.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ (4):
قَالَ بَعْضُهُمْ: الكبد: الانتصاب، أخبر أنه خلق الإنسان منتصبا، وخلق كل دابة منكبا.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: الكبد: الشدة والمعاناة.