وقَالَ بَعْضُهُمْ: وأنت حلال بهذا البلد، والحل والحلال لغتان.

فإن كان على هذا فالحل غير منصرف إلى نفسه؛ وإنما انصرف إلى ما أحل له؛ لأنه لا يجوز أن يكون هو بنفسه حلالا أو حراما؛ فالحل والحرمة إذا أضيفا إلى من له الحل والحرمة فإنما يراد بالحل والحرمة الشيء الذي أحل له، والشيء الذي حرم عليه، لا أن يكون الوصف راجعا إلى المضاف إليه، فإذا قيل: هذا محرم، أريد به أن الأشياء محرمة عليه، وإذا قيل: هذا حلال ليس بمحرم أريد به أن الأشياء له حلال، وإذا أضيفا إلى من لا يخاطب بالحل والحرمة، أريد بهما عين ذلك الشيء كقوله: هذا لحم حلال أو صيد حلال، وهذا لحم حرام؛ فيريد أن ذلك اللحم حلال، وذلك الصيد حرام أو حلال.

ثم اختلفوا في الذي أحل له:

فمنهم من صرفه إلى القتال، فقال بأنه أحل له القتال فيها، وذلك يوم فتح مكة.

ومنهم من قال بأنه أحل له الدخول فيها إذا جاء من الآفاق بغير إحرام، ولا يحل ذلك لغيره.

وروي عن ابن عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قال: قال رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - يوم فتح مكة:

" إن مكة حرام، حرمها اللَّه - تعالى - يوم خلق السماوات والأرض والشمس والقمر، ووضع هذين الجبلين، لم تحل لأحد قبلي، ولا تحل لأحد بعدي، ولم تحل لي إلا ساعة من نهار، وهي ساعتي هذه، هي حرام بحرام اللَّه تعالى إلى يوم القيامة، لا يختلى خلاها، ولا يعضد شوكها ولا ينفر صيدها، ولا يرفع لقطتها، إلا من نشدها "، فقال العباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: إلا الإذخر يا رسول اللَّه؛ فإنه لا غنى لأهل مكة عنه للقبر والبنيان؟ فقال - عليه السلام -: " إلا الإذخر " فبين رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - أنها قد أحلت له ساعة من نهار.

والحل يحتمل الوجهين اللذين ذكرناهما.

وذكر أبو بكر الأصم أن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - كان يؤذيه أهل مكة؛ فيتأذى بهم؛ فيخرج من بين أظهرهم؛ فيحل له الصيد في ذلك الوقت.

ولكن لا يسع صرف التأويل إلى هذا؛ إذ لا يعرف مثل هذا إلا بالخبر والنقل.

ثم في قول رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - على لسان العباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: " إلا الإذخر " دلالة أن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015