ويحتمل أن يكون قوله: (وَجَاءَ رَبُّكَ)، أي: جاء وعده ووعيده، فنسب المجيء إلى اللَّه تعالى، وإن لم يكن ذلك وصفا له؛ لأنه يجوز أن تنسب آثار الأفعال إلى اللَّه - تعالى - نسبة حقيقة الفعل وإن لم يوصف به، كما قال اللَّه - تعالى -: (فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا)، فأضيف النفخ إليه وإن لم يوصف بأنه نافخ، وقال: (وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ)، فأضيفت الكتابة إليه وإن لم يوصف بأنه كاتب؛ لما أن ما ظهر من آثار فعله، ويقال: المطر رحمة اللَّه؛ أي: من آثار رحمته، لا أن يكون المطر صفة له، ويقال. الصلاة أمر اللَّه، والزكاة أمر اللَّه، أي: بأمر اللَّه نصلي، وبأمره نزكي، لا أن يكونا وصفين له.
ووجه آخر: أن يكون معنى قوله - تعالى -: (وَجَاءَ رَبُّكَ)، أي: جاء الوقت الذي به صار إنشاء هذا العالم حكمة؛ إذ لولا البعث للجزاء، لكان إنشاء هذا العالم ثم الإهلاك خارجا مخرج العبث؛ لما وصفناه من قبل؛ لقوله: (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ)؛ فثبت أن خلقه إنما صار حكمة بالبعث، وقال اللَّه تعالى: (لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ)، وقد كان الملك له قبل ذلك اليوم، ولكن ملكه لكل أحد يتبين في ذلك الوقت، وقال: (وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعًا)، وقد كان كل شيء له بارزًا، ولكن معناه: أنه أتى الوقت الذي له برز الخلائق.
ثم الأصل في كل ما أضيف إلى اللَّه - تعالى - أن ينظر إلى ما يليق أن يوصل بالمضاف إليه، فتصله به وتجعله مضمرا فيه، قال اللَّه - تعالى -: (مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ)، ولم يفهم إثبات الحضور، وكان معناه: أن علمه محيط بهم، وهو مطلع عليهم.
وقال: (فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا)، ولم يفهم به الانتقال؛ بل كان معناه: أنه جاءهم بأسه، وجاء لأوليائه نصره.
وقال: (قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ)، ولم يفهم بهذا الإتيان ما فهم من الإتيان الذي يضاف إلى الخلق.