ما يرثون من أنصبائهم، فيأكلونه جميعا.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: (وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلًا لَمًّا)؛ أي: شديدا.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا (20) قال أبو بكر: أي: تحبوته حبا وفيا وافرًا ليس فيه قصور؛ فيكون فيه إخبار عن غاية حبهم الدنيا وشدة حرصهم عليها.
وجائز أن يكون على التقديم والتأخير، وهو أنهم يحبون المال الجم حبا؛ أي: المال الكثير.
وقوله: (كَلَّا ... (21)؛ ردع وتنبيه:
فمنهم من رد هذا الردع إلى قوله: (رَبِّي أَكْرَمَنِ)، و (رَبِّي أَهَانَنِ)، فكأنه يقول: كلا ليست هذه الدار دار جزاء؛ فيكون الإهانة والإكرام بحق الجزاء، وإنما هي دار محنة وابتلاء.
ومنهم من حمله على الابتداء، فقال: (كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا) بمعنى حقا، يخبر عن ندمه في تركه الإكرام لليتيم، وترك إطعام المسكين والحض عليه: (إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ) أي: دقت وكسرت، وذلك يوم الحساب والبعث.
وقوله: (وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا (22) يحتمل أوجها:
أحدها: أن يكون معناه: وجاء ربك بالملك؛ إذ يجوز أن تستعمل الواو مكان الباء؛ ألا ترى إلى قوله - تعالى -: (قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ)، ومعناه: بربك، وإذا حمل على هذا ارتفعت الشبهة، واتضح الأمر؛ لأنه لو كان قال: وجاء ربك بالملك، لكان لا ينصرف وهم أحد إلى الانتقال من مكان إلى مكان، وقال - تعالى -: (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ)، ومعناه - واللَّه أعلم -: بظلل من الغمام؛ لأنه قال في موضع آخر: (وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ)؛ فثبت أن معناه ما ذكرنا وإذا ثبت هذا ارتفع الريب والإشكال.
ومنهم من ذكر أن معنى قوله: (وَجَاءَ رَبُّكَ)، وقوله: (إِلَّا أَن يَأتِيَهُمُ اللَّهُ)، أي: أمر اللَّه؛ دليله ما ذكر في سورة النحل قوله: (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ)، فذكر مكان قوله: (وَجَاءَ رَبُّكَ): (أَمْرُ رَبِّكَ).