وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَلَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ (36):
ليس أنه لا يقبل العذر منهم إذا أتوا به، ولكن معناه: أنه لا عذر لهم؛ ليقبل منهم، وهو كقوله تعالى: (فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ)، معناه: أنه لا شفيع لهم، لا أنهم إذا أتوا بشفعاء لم يشفع لهم، وإذا لم يكن لهم عذر، فهم لا يعتذرون بعذر.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ جَمَعْنَاكُمْ وَالْأَوَّلِينَ (38) فيه إخبار أنه لا يخص بالبعث فريقا دون فريق، بل يجمع الخلائق كلهم، ثم يفصل بينهم؛ فينزل كلا منزلته التي استوجبها (فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ).
وقيل: هو يوم الحكم؛ فجائز أن يكون سمي به؛ لما يختصم فيه أهل المذاهب؛ فيحكم فيه بين المحق وبين الذي كان على الباطل، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَإِنْ كَانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُونِ (39):
جائز أن يكون يقال لهم هذا في الآخرة: أن كيدوا حتى تنجوا أنفسكم مما نزل بكم؛ أي: إن كانت لكم حيل تحتالون بها فافعلوا، وهو حرف التقريع والتوبيخ على نفي نفاذ المكر والحيلة، ليس على ما عليه أمر الدنيا: أنهم يحتالون ويمكرون بأنواع الخداع والتمويهات.
ويحتمل أن قيل لهم هذا في الدنيا، أمر رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - أن يعارضهم بهذا فيقول لهم: (فَإِنْ كَانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُونِ) في قتلي أو إخراجي من بين أظهركم، كما قال هود - عليه السلام - لقومه: (فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ)، فعجزهم عن ذلك يظهر لهم آية رسالته، وحجة نبوته؛ إذ خوف الأعداء من غير أعوان كانوا له ولا جنود مجندة؛ بل كان وحيدا فريدا بين ظهراني قوم مشركين، ليست همتهم إلا إطفاء هذا النور.
* * *
قوله تعالى: (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلَالٍ وَعُيُونٍ (41) وَفَوَاكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ (42) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (43) إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (44).
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلَالٍ وَعُيُونٍ)، فالمتقون: هم الذين اتقوا عذاب اللَّه، قال اللَّه تعالى: (وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ)، وقال في آية أخرى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا) وقال: (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)، فهذا هو التقوى.