والثاني: يقول: من شاء اتخاذ السبيل، فليتخذ السبيل إلى ربه، على ما يذكر على الاستقصاء بعد هذا، إن شاء اللَّه تعالى.
ثم قوله - تعالى -: (وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ ... (30):
يقول - واللَّه أعلم -: من شاء اتخاذ السبيل إلى ربه لا يتخذ إلا أن يشاء اللَّه أن يتخذ السبيل إلى ربه، فعند ذلك يتخذ، وهذا على المعتزلة لأنهم يقولون: إن اللَّه تعالى قد شاء لجميع الخلائق أن يتخذوا إلى ربهم سبيلا، لكنهم شاءوا ألا يتخذوا إلى ربهم سبيلا؛ فلم يتخذوا، وقد أخبر أنهم لا يشاءون اتخاذ السبيل إليه، ولا يتخذون إلا أن يشاء اللَّه لهم اتخاذ السبيل فعند ذلك يتخذون ما ذكر، ويشاءون.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا):
إن اللَّه - تعالى - لم يزل عليما بصنع خلقه من التكذيب له والتصديق، ومن الطاعة له والمعصية، أي: على علم منه بصنيعهم أنشأهم وخلقهم، حكيما في فعله ذلك وخلقه إياهم على ما علم منهم بكون الآية إنما خلقهم وأنشأهم؛ لمنافع أنفسهم ولحاجتهم، لا لمنافع ترجع إليه، أو لمضار يدفع عن نفسه؛ فخلقه إياهم وبعثه الرسل إليهم على علم بما يكون منهم من التكذيب والرد لا يخرج فعله عن الحكمة والحق؛ بل يكون حكيما في ذلك، وأما من يبعث الرسول في الشاهد، إلى من يعلم أنه يكذبه، ويرد رسالته وهديته، ويستخف به - سفه ليس بحكمة؛ لأنه إنما يرسل الرسل ويبعث هديته؛ لمنافع تكون للمرسل؛ فعلمه بما يكون منه سفه ليس بحكمة؛ لذلك افترقا.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ ... (31):
هذا على المعتزلة - أيضا - لأنه ذكر أنه يدخل من يشاء في رحمته، وهم يقولون: قد شاء أن يدخل كلا في رحمته؛ لأنه شاء إيمان كل منهم، واللَّه تعالى أخبر أنه يدخل من يشاء في رحمته؛ دل ذلك على أنه لم يشأ أن يدخل في رحمته من علم منه أنه يختار الضلال؛ ولكن إنما شاء أن يدخل في رحمته من علم منه أنه يختار الهدى، فأما من علم منه اختيار غيره، فلا يحتمل أن يشاء ذلك له، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا):
أي: وشاء - أيضا - من علم منه الضلال أن يعد له عذابا أليما.