خص بها من نحو ما يملكون بالبنان تسخير الدواب والأنعام؛ فعلم بالتفريق بين الدواب وبينهم أن البشر هم المقصودون بالمحنة، وألا يتركهم سدى، لا يأمرهم، ولا ينهاهم، ولا يستأديهم شكر ما أنعم اللَّه عليهم؛ وقد ائتمر البعض وعصى البعض؛ فلا بد من دار أخرى للمجازاة؛ فالنظر في هذا يحمله على القول بالبعث والجزاء.
ولأن الاستواء يقع في الابتداء، والجمع بعد التفريق يكون عند الإعادة، والعقول تشهد على أن أمر الإعادة أيسر من أمر الابتداء، فإذا لم يتعذر عليه الاستواء في الابتداء؛ فأنى يعسر عليه إعادة الجمع مع قدرته على الجمع في الابتداء؟
ولأنهم لما لم يخلقوا مستوية البنان، فليعلموا أن في ترك الاستواء حكمة، ولو كان الأمر على ما قدروا أن لا بعث لكان ذلك يخرج عن حد الحكمة؛ فيكون فيما ذكر تثبيت البعث والقول بالقدرة على جمع العظام بعد تفرقها، وتفتتها، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ (5):
قال أهل التفسير: يؤخر التوبة، ويقدم المعصية، ويقول: " سوف أتوب "، فيأتيه الموت على شر حاله.
وعندنا يخرج على وجهين:
أحدهما: جائز أن يكون ذكر الإرادة لا على تحقيقها؛ ولكن من فعل شيئا فعله على الإرادة والاختيار، فكنى بالإرادة عن الفعل، لأنها تقترن بالفعل؛ فيكون في ذكرها ذكر الفعل، وهو كقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا)، ولم يظن أحد من الكفرة أن السماء والأرض خلقتا باطلًا، ولكن خلقهما خرج على الحكمة بالبعث والجزاء، ففي ترك القول بالبعث وصف بأن خلقهما للعب والباطل، ويؤدي إلى هذا؛ فيصير كأنهم قالوا ذلك، وظنوا كذلك؛ فعلى هذا يحمل الأمر على الظن، لا أن وجد منهم الظن في الحقيقة؛ فكذلك إذا فعلوا فعل الفجور، وكان فعلهم على الإرادة والاختيار؛ فكأنهم أرادوا أن يفجروا أمامهم، لا أن كانت الإرادة منهم متحققة لذلك مقصودا.
وجائز أن يكون ذلك على تحقيق الإرادة، وذلك أن للشر والفجور سبلا من سلكها أفضى به إلى أن يستحق اسم الفجور، وللخير والهدى سبلا من سلكها أفضى به الأمر إلى