الطريق التي لا يعقل، ثبت أن الذي قاله ليس بشيء يعتمد عليه.
ثم الأصل أن قوله: (كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ) من صفات الربوبية، وفيه امتداح الرب - تعالى - بالفعل لما يريد، فلو لم يكن مريدا منهم ما قد كان، ولم يرد كون ما علم أنه يكون، سقط الامتداح، وخرج عن أن يكون من صفات الربوبية؛ فثبت أن الله تعالى شاء لكل فريق ما علم أن يكون منهم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ):
فالجنود هو اسم للجماعة التي ينتقم بها، وينتصر بها.
وجائز أن يكون قوله تعالى: (وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ) منصرفًا إلى الملائكة، التي هي أصحاب النار، ليس ما جعله من خزنة النار عددًا قليلًا؛ لقلة جنوده، (وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ)، أي: لا يعلم مقادير قواهم وأحوالهم إلا اللَّه؛ فمعناه: لا يعلم جنود ربك، أي: لا يعلم قوة هَؤُلَاءِ الجنود وبطشهم وهيبتهم إلا هو.
ثم يجوز أن يكونوا سلطوا على تعذيب أهل النار؛ على جهة الامتحان للملائكة؛ كما امتحن بعضهم بإيصال التحف والكرامات إلى أهل الجنة، وكما امتحن بعضهم في الدنيا بقبض الأرواح، وبعضهم باستنزال الأمطار، وغير ذلك.
وجائز أن يكون تسليطهم على أهل النار على جهة الثواب والجزاء لهم؛ لأنهم يتلذذون بما يعذبون أهل النار، وينتقمون من أعداء اللَّه تعالى؛ لأن المرء في الشاهد إذا وصل إلى الانتقام من عدوه، تلذذ به وتنعم.
ويحتمل أن يكون قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ)، أي: وما يعلم كثرة جنود ربك إلا هو.
ويحتمل: وما يعلم السبب الذي به يجعل الجنود، ويصلحون للانتقام إلا هو؛ إذ هو القادر على أن يجعل أضعف شيء من خلقه جندا ينتقم به من أعدائه، كما في قصة البعوض في زمن نمرود، وغير ذلك من إرسال الطير إلى أصحاب الفيل، وإمطار الحجارة على قوم لوط، ونحو ذلك.
ويحتمل أن يكون قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ)، أي: لا يعلم ما الذي يتخذ اللَّه تعالى جندًا للانتقام من الأعداء إلا هو؛ ألا ترى أن اللَّه - تعالى - انتقم من بعض