إليه العاقبة؛ فالتقطوه؛ رجاء أن ينتفعوا به.
ولا يجوز أن تخفى على اللَّه تعالى عواقب الأشياء؛ فيكون فعله في الابتداء لغير ذلك الوجه.
وقولهم:
لدوا للموت وابنوا للخراب
فهذا يتكلم به في موضع التذكير والدعاء؛ لئلا يحرص المرء في بناء الأبنية، بل يزهد عنه، ولا يجوز أن يخفى على اللَّه تعالى أمر؛ فيخرج الأمر فيه مخرج التذكير؛ فثبت أنه على التحقيق، واللَّه أعلم.
ثم قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا):
فالمثل يذكر بمعنى البيان؛ كقول القائل: " أمثل لك صورة كذا " يريد أبين لك.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ)، فهذا كله تفسير قوله تعالى: (وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً. . .) الآية، أي: يضل به من كان في علمه أنه يختار الضلال، واختياره الضلال هو أن ينظر في آيات اللَّه تعالى بعين الاستهزاء والاستخفاف، ومن كان نظره في آيات اللَّه ما ذكرنا، أضله اللَّه تعالى، وزاده غواية، ومن نظر في آيات اللَّه، بعين الاستهداء والاسترشاد، واستقبلها بالتبجيل والتعظيم لها، وفقه اللَّه تعالى، ومن عليه بالهداية؛ وهو كقوله تعالى: (قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى)، وغير ذلك، واللَّه الموفق.
وقالت المعتزلة: قوله: (كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ)، أي: يسميه: ضالا، أو يحكم عليه بالضلال إذا ضل، لا أن يكون اللَّه - تعالى - يضله، ويشاء ضلالته.
فيقال لهم: إذا كان اللَّه يريد أن يؤمن به، وذلك إرادته في كل أحد عندكم فتسميته إياه: ضالا، وحكمه بالضلال وهو يريد أن يهتدي - جور منه، وفيه تحقيق كذبه، جل اللَّه تعالى عن أن يلحقه وصف الجور في فعله، أو ينسب إلى الكذب.
وقال أبو بكر الأصم: تأويله؛ أن اللَّه - تعالى - ينصب طريقا، مَن سلكه أفضى به إلى الهداية، ومن زاغ عنه صار إلى الضلال، ولا يتهيأ لأحد من الخلائق أن ينصب مثله.
فنقول: لو كان التأويل على ما زعم لكان حقه أن يقال: " كذلك يضل اللَّه ما يشاء ويهدي ما يشاء "؛ فلما قال: (مَنْ يَشَاءُ)، و " مَن " يعبر به عن الأشخاص العقلاء لا عن