وهو كقوله: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنْفُسِهِمْ).
ووجه رجوع المكر إلى أنفسهم ذكروا فيه أوجها:
أحدها: رجوع المكر إلى أنفسهم: أن اللَّه تعالى أظهر سوء صنيعهم برسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -، وجعله آية تتلى إلى يوم القيامة؛ فيكون فيه ظهور كذبهم، وإلحاق العار بهم إلى يوم التناد، وتوارد اللعن.
والثاني: أن الكبراء إذا اجتمعوا في مكان للتدبير، اتصل بهم أوساطهم واختلط بهم صغارهم فيقع لجملتهم العلم بالذي وقع عليه التدبير واتفقت عليه الكلمة، وإذا وقفوا على تدبيرهم جملة، انتشر علم ذلك في الآفاق، فيقف الناس على كذبهم وافتعالهم، فيتحقق عند ذلك جهلهم بحال رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -، ويصير كذبهم شائعا في الخلق ظاهرا من الوجه الذي أرادوا نفي سمة الجهل عن أنفسهم؛ ويتحقق عند الناس كذبهم؛ فلا يركنوا إلى قولهم ولا يلتفتوا إلى إخبارهم عن حاله؛ إذ قد تبين جهلهم بحاله؛ فيكون ذلك سببا لترغيب الناس إلى الإسلام ودعائهم إليه، لا أن يكون سببا للصد عن سبيل اللَّه؛ فصار المكر راجعا إليهم.
ثم قوله: (إِنَّهُ فَكَّرَ)، أي: فكر في الأمر الذي أراد إحكامه، أو فكر في الكلمات التي ألقوها فيما بينهم، أيها أليق برسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - فينسب إليه.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَقَدَّرَ) يخرج على هذا أيضا.
وقوله: (فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (19) قيل: لعن، واللعن هو الإبعاد عن رحمة اللَّه تعالى، وقد ظهر الإبعاد؛ لأن مادة ماله قد انقطعت في الدنيا، وأخذ ما كان اجتمع عنده في الانتقاص إلى أن أهلكه اللَّه تعالى، ثم ساقه إلى النار خالدا فيها.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (كَيْفَ قَدَّرَ)، أي: كيف لم يستح عن تقديره الذي قدر من تسمية رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: ساحرا، وقد علم أنه في إنشاء ذلك الاسم كاذب؟
أو كيف اجترأ على اللَّه تعالى، وتجاسر وهو يعلم أنه رسول حق، فعاند آياته، واجترأ على ذلك، ولم يخف نقمة اللَّه تعالى؟!.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (20) فلعنه مرتين، وقد ظهر أثر اللعن فيه في الدنيا والآخرة جميعا؛ لأن اللَّه تعالى فضحه بما أظهر كذبه للخلائق، فبقي ذلك العار إلى آخر