يصليهم سقر بشيء لا إرادة لهم فيه.
وإن سلمتم أنه أراد إصلاءهم سقر إذا داموا على الكفر واستقروا عليه، فقد لزمكم أن تقولوا: إن اللَّه تعالى أراد من كل أحد ما علم أنه يختاره، ويكون منه.
ويقال لهم: إن اللَّه تعالى يقول: (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ)، ولو كان الأمر على ما زعمتم: أنه يريد من كل كافر أن يسلم، ويؤمن به، ويريد الكافر أن يكفر به، ويعاديه، فإذن قد أراد أن يكون له ولي من الذل؛ لأنه يريد أن يواليه مع اختيار الكافر في معاداته، تعالى اللَّه عما يقول الظالمون علوًّا كبيرا.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ (18).
قال الفقيه - رحمه اللَّه -: إن فراعنة رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - اعتقدوا معاندة الحق، واعتقدوا صد الناس عن سبيل اللَّه وأن يطفئوا نوره، فأرادوا أن يجمعوا على أمر ينسبونه إلى رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - على وجه ينفون عن أنفسهم سمة الجهل وتهمة الكذب في ذلك، على ما ذكروا أن الوليد جمع أصحابه، فقال: إن هذه أيام الموسم، وإن الناس سائلوكم عن هذا الرجل؛ فماذا تقولون؟
فقَالَ بَعْضُهُمْ: نقول: هو شاعر؛ قال: إنهم قد سمعوا الشعر، وما قوله بقول شعر.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: نقول: هو كاهن؛ فقال: إن الكهانة معروفة عند العرب، وإذا سمعوا قوله عرفوا أنه ليس بكاهن؛ فيكذبونكم.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: نقول: هو كذاب؛ فقال: إنا قد اختبرناه فما أخذنا عليه كذبة قط.
فقَالَ بَعْضُهُمْ: نقول: هو مجنون، فقال: إذا نظروا إليه علموا أنه ليس بمجنون، فأعيا عليهم، ففكر في نفسه وقدر، فقال: (إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ): ما هذا الذي أتى به إلا سحر يؤثره عن غيره -أي: يرويه- فاتفقت كلمتهم على تسميته: ساحرا، وقالوا: الساحر يفرق بين اثنين، وقد وجد منه التفريق بين الآباء والأولاد وبين ذوي الأرحام؛ رجاء أن يصلوا إلى مرادهم من صد الناس عن سبيل اللَّه تعالى وإطفاء نوره؛ مكرًا منهم،