ثم وجه رفع قيام الليل عنهم بالمجاهدة والضرب في الأرض وإن كانا يحصلان في النهار لا في الليل: هو أن المجاهدة بالنهار تضعفهم، وتوهن قواهم؛ فيتعذر عليهم قيام الليل، وكذلك الضرب في الأرض؛ فمن اللَّه تعالى عليهم بأن رفع عنهم قيام الليل، وإن لم يوجد منهم الاشتغال بالجهاد بالليالي، واللَّه أعلم.

ثم الضرب في الأرض يكون للتجارة، ولغيرها من الوجوه: لطلب العلم، وغيره من الأسباب؛ فلا يحصل أمر الضرب على التجارة خاصة.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ).

قال أبو بكر في قوله: (وَآتُوا الزَّكَاةَ) هو دلالة أن هذه الآية مدنية؛ لأن الزكاة إنما فرضت عليهم بالمدينة، فإن كان الأمر على ما ذكر: أن فرضها نزل بالمدينة فذلك عندنا مصروف إلى زكاة المواشي خاصة؛ لأن أصحاب رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -، لم يكن لهم بمكة سوائم؛ لأنهم كانوا يخافون العدو؛ فلم يتهيأ لهم إسامة المواشي، وأما ما رجع من الزكوات إلى غيرها من الأموال، فيشبه أن تكون واجبة عليهم في حال كونهم بمكة، وبعد مفارقتهم منها، ولا يكون في الأمر بإيتاء الزكاة دلالة نزولها بالمدينة، واللَّه أعلم.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا):

فالقرض -في لغة العرب-: القطع، يقال: قرض الفأر الجراب، أي: قطعه؛ فسمي القرض: قرضا لهذا؛ لأنه يقطع ذلك القدر من ماله فيدفعه إلى غيره، وكذلك هو بالتصدق يقطع ذلك القدر؛ فيجعله لله تعالى خالصا؛ فسمي: إقراضا لهذا.

ويجوز أن يكون أضاف إلى نفسه لئلا يمن على الفقير فيما يتصدق عليه؛ إذ الإقراض حصل فيما بينه وبين ربه؛ فيصير الفقير معاونا له في تلك القربة.

ولأن المرء في الشاهد إنما يقرض ما يفضل عن حاجته، فيدفعه إلى من يثق به، ليسترده منه عند حاجته إليه؛ فكذلك الصدقة أُوجبت في المال الذي يفضل عن حاجاته، فيقرضها لله تعالى فيجدها مهيأة عندما تمسه الحاجة.

ثم المال الذي يدفعه إلى الفقير على جهة التصدق هو مال اللَّه تعالى، ثم جعل الله تعالى ذلك منه إقراضا له جل جلاله وأضافه إلى نفسه؛ فتكون الفائدة في الإضافة إلى نفسه هي تفضيل عمله؛ ليرغبه في مثل ذلك الفعل على جهة التكرم منه؛ وهو كما سمى الثواب الذي يتفضل به على عباده أجرا بقوله: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ)، ومن عمل لنفسه لم يستوجب الأجر على غيره، وسمى الذي يُقتل:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015