بالخطاب بقوله: (يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ)؛ لأنه لو لم يكن الفرض شاملا لهم، لم يكن لقوله: (فَتَابَ عَلَيْكُمْ) معنى؛ ألا ترى أنه إذا لم يفرض علينا قيام الليل في يومنا هذا، لم نحتج في ترك القيام إلى أن يتوب اللَّه علينا.
ثم إن اللَّه تعالى ذكر في التوبة وفيما فيه التبع خطابا يجمع الجميع بقوله: (فَتَابَ عَلَيْكُمْ)، وبقوله: (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ) وذكر فيما فيه الأمر خطابا يقتضي الآحاد، وهو قوله: (قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا. نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا)؛ ففي هذا أنه قد يجوز أن يخاطب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - على إدخال غيره فيه تبعًا له، ولا يجوز أن يخاطب غير النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - ويراد به إشراك النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - في ذكر الخطاب؛ لأن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - هو المتبوع؛ فجاز إلحاق غيره به، وغيره لا يكون متبوعا حتى يلحق به رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ):
فيه أن الليل والنهار ليسا يمضيان على الجزاف؛ ولكن بتقدير سبق من اللَّه - عز وجل - وآية ذلك ظاهرة؛ لأنهما يجريان مذ خلقهما على تقدير واحد، لم يتقدما، ولم يتأخرا، ولم ينتقصا ولم يزادا؛ فيكون فيه إبانة أن مدبرهما واحد، وأن الذي قدرهما هكذا ممن لا يبيد ملكه، ولا ينفذ سلطانه.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ):
قَالَ بَعْضُهُمْ: علم أن لن تطيقوه.
قال أبو يكر الأصم: هذا لا يستقيم؛ لأنه لا جائز أن يكلفهم اللَّه تعالى ما لا يطيقونه؛ ألا ترى إلى قوله: (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا).
وليس فيما ذكره أبو بكر ما يدفع هذا التأويل؛ لأنه يقال للأمر إذا اشتد وتعسر: لا يطاف هذا الأمر، وإن لم يكن ذلك خارجا من الوسع؛ ألا ترى إلى قوله تعالى: (رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ)، وتأويله: لا تحملنا أمرا يشتد علينا عمله، ليس أنهم خافوا أن يحملهم أمرا لا يحتمله وسعهم؛ فيكون قوله: (عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ) -إن كان تأويله: أن لن تطيقوه- على ذلك، واللَّه أعلم.
وجائز أن يكون قوله: (مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ) أي: لا تحملنا أمرا تهلك فيه طاقتنا، لا أن