وغيره، فالمأثم بالقتل وإن زال عنه بالتوبة؛ فإن القصاص لا يرتفع عنه.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى) جائز أن يكون أُولَئِكَ القوم كانوا يخافون على أنفسهم الإهلاك من قومهم بإيمانهم وإجابتهم لنوح عليه السلام؛ فيخرج قوله: (وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى) مخرج الأمان لهم أنهم بإيمانهم يبقون إلى الأجل الذي ضرب لهم لو لم يؤمنوا؛ إذ يكون معناه: أنكم إن أسلمتم بقيتم إلى انقضاء أجلكم المسمى سالمين آمنين، لا يتهيأ لعدوكم أن يمكر بكم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاءَ لَا يُؤَخَّرُ لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ)، وقال في موضع آخر: (فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ)، جائز أن يكون قوله: (لَا يَسْتَأْخِرُونَ)، أي: لا يتأخرون عن آجالهم أو لا يؤخرون بما يطلبون من التأخير؛ فيكون في هذا إياس لهم أنهم لا يؤخرون إذا طلبوا التأخير؛ قال اللَّه تعالى: (وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ)؛ فأخبر - جل جلاله - أن الموت إذا أتاه طلب التأخير ليبذل ما طلب منه البذل قبل ذلك من التصدق والإيمان به، فقطع عنهم طمعهم بقوله: (وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا)، وبقوله: (لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ)، وبقوله: (إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاءَ لَا يُؤَخَّرُ).
وهذه الآية تنقض على المعتزلة قولهم؛ لأنهم يقولون بأن رجلا لو جاء وقتل آخر، فإنما قتله قبل انقضاء أجله، واللَّه تعالى يقول: (لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ)، والأصل: أن اللَّه تعالى إذا علم أنه يقتل فإنما يجعل انقضاء أجله بالقتل ليس بغيره؛ لأنه لا يجوز أن يجعل انقضاء أجله بموته حتف نفسه، ثم ينقضي أجله بغير ذلك؛ لأنه لو جاز ذلك لأدى ذلك إلى الجهل بالعواقب، والجهل بالعواقب يسقط الربوبية، ويثبت الجهل.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ).
أي: لو كنتم تعلمون ما يحل بكم من الندامة عند انقضاء آجالكم، لكنتم تبذلون للحال ما أريد منكم؛ لئلا يحل بكم العذاب.
أو أن يكون معنى قوله: (إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاءَ)، أي: أجل العذاب إذا حل، وقع