شيء، ولا يخافون من شيء في العاقبة، ثم يقومون بنصر الأصنام، فأنتم أحق بنصر رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -؛ إذ تطمعون نيل الجنة والدخول فيها بنصركم إياه، واللَّه أعلم.
ومنهم من حمله على إيجاب الطمع، وهو أنهم كانوا يطمعون دخول الجنة ونيل نعيمها إذا رجعوا إلى ربهم؛ ظنًّا منهم أنهم إذا ساووا المسلمين في نعيم الدنيا وسعتها، فكذلك يساوونهم في نعيم الآخرة، كما قال اللَّه تعالى خبرا عنهم: (وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلَى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنَى)، وقال: (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ. . .) الآية، هكذا ظن الكفرة أنهم إن رجعوا إلى ربهم فسيجدون عنده خير منقلب، فقال تعالى: (كَلَّا إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ (39) فقوله: (كَلَّا) على هذا التأويل رد لاعتقادهم وقطع لأطماعهم، فقال: (كَلَّا) أي: لا يدخلونها قط، ثم استأنف الكلام فقال - عَزَّ وَجَلَّ -: (إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ).
وعلى التأويل الأول: (كَلَّا) بمعنى: حقًّا أنهم لا يطمعون، ثم استانف بقوله: (إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ)، أي: من تلك النطف؛ فيذكرهم بهذا عظيم نعمه وإحسانه إليهم بما أخرجهم منها ونقلهم من حال إلى حال حتى صاروا بشرًا سويًّا؛ ليعلموا أنه لا يتركهم سدى؛ بل ليمتحنهم ويستأدي منهم شكر ما أنعم عليهم؛ فيوجب ذلك تصديق الرسل.
وفيه تذكير قدرته وسلطانه، وبيان ضعف ابتدائهم؛ ليعلموا أن من قدر على إنشائهم لقادر على أن يحييهم بعدما أفناهم، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَلَا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ إِنَّا لَقَادِرُونَ (40).
ذكر المشارق والمغارب: ذكر السماوات والأرض، وفي ذكرهما ذكر أهل السماوات وأهل الأرض، فيكون معناه: فلا أقسم برب الخلائق أجمع، ويكون حرف " لا " زائدًا في الكلام تأكيدا للقسم على ما يذكر، فيكون معناه: فلا أقسم.
ثم حق هذا القسم أن يقول مكان قوله: (بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ): " فلا أقسم بي " إذا كان القسم