وجائز أن يكون الوقف وإجمام الكلام، وأهل النحو يسمّونه: هاء الاستراحة.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ - (خُذُوهُ فَغُلُّوهُ (30) وقال في موضع آخر (خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ)، وهو السوق على العنف، وقال في موضع آخر: (وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا)، فكأنهم - واللَّه أعلم - يغلون، وبدأ بالأمر بالإغلال؛ لأن الناس في الدنيا يجتهدون كل الجهد في منع العذاب بأيديهم، فأخبر أن أيديهم تغل في الآخرة؛ فلا يتهيأ لهم دفع ما يحل بهم من العذاب؛ فيكون ذلك أشد في العذاب عليهم، ويكون حالهم كما قال اللَّه - تعالى -: (أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)، فتغل يداه؛ كي يتقي النار بوجهه، ثم يدخلون في السلاسل فيجرون ويسحبون ويساقون على وجوههم على اختلاف أحوال القيامة.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ (31) أي: أدخلوه، يقال: لحم مصلي: أي مشوي؛ فجائز أن يؤمر بأن يشوى في الجحيم.
وقوله: (ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ (32) فذكر أولًا: أنهم يغلون، ثم يصلون الجحيم، ثم يسلسلون إذ ذاك، وحق مثله أن يسلسل، ثم يمد إلى الجهنم، ولكنّه يشبه أن يكونوا أولًا يحشرون، ثم يساقون إلى نار جهنم بقوله: (وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا)، وإذا وردوها هموا أن يفروا منها، فيسلسلون إذ ذاك، ويسحبون في النار حينئذ؛ فلا يتهيأ لهم الهرب.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ (33) ففيه بيان السبب الذي لأجله استوجبوا هذا العقاب، وهو أنهم كانوا لا يؤمنون باللَّه العظيم.
ثم قوله: (لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ) جائز أن يكون لا يؤمن بوحدانية اللَّه، أو لا يؤمن بإرسال الرسل، أو كان لا يؤمن بالبعث، وإلا فهم يؤمنون باللَّه، ولكن من لم يكن مؤمنًا بالرسل والبعث فهو غير مؤمن في الحقيقة؛ لأن الإله الحق هو الذي أرسل الرسل، ويقدر على البعث، والكافر لا يثبت له قدرة البعث، ولا يراه أرسل الرسل، فصار لا يؤمن بالله العظيم في الحقيقة.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (34) إخبار أنه كان لا يؤمن بالبعث؛ لأن الناس ليسوا يطلبون من المساكين الجزاء لما يطعمونهم، وإنما يطعمونهم لوجه الله