(28)

(29)

اللفظة يذكرها الناس في كل مكروه من الأمور؛ ألا ترى أن الناس يدعون اللَّه - تعالى - بأن يصرف عنهم قضاء السوء، وليس بقضاء اللَّه؛ بل هو مقضيِهِ؛ فخرج القول على ما تعارفوا، وهذا كما يقال: (الصلاة أمر الله)، وليست هي بأمره، ولكن تأويله: أنها بأمره ما تقام، فسمي أيضًا قضاء اللَّه، وهو في الحقيقة مقضيه، واللَّه أعلم.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ (28) فالأصل أن الكفرة كانوا يفتخرون بكثرة أموالهم، فيقولون: (نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ)، فيزعمون أن اللَّه - تعالى - بما آتاهم من الأموال يدفعون عن أنفسهم العذاب بأموالهم إن حل بهم، فيتبين لهم في ذلك الوقت أنها لا تغني عنهم شيئًا، فيقول كل واحد منهم: (مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ).

وقوله - تعالى -: (هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ (29) ذكر عن ابن عَبَّاسٍ - رضي اللَّه عنهما - أنه قال: كل سلطان في القرآن فهو حجة، فالأصل: أن الكافر كان يحتج في الدنيا لنفسه بحجج باطلة، فمرة يقول: (مَا أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا)، ويقول مرة: (مَا هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ)، ومرة يقول: هذا سحر، ومرة يقول: هو مجنون، وغير ذلك، فيعبر بقوله: (هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ) أي: هلكت تلك الحجج التي كنا نتشبث بها، واضمحلت، وظننا أنها حجج.

ومنهم من يقول: السلطان: هو القدر والشرف؛ أي: ذهب ذلك كله.

وقيل: أي: هلك عني تكبّري وسلطاني على الأنبياء - عليهم السلام - في الدنيا وترك الاكتراث إليهم.

وجائز أن يكون أراد به: أن السلطان الذي كان لي على نفسي في الدنيا قد انقطع؛ لأنه كان يملك استعمالها في مرضات اللَّه - تعالى - فيقول: قد انقطع ذلك السلطان؛ لأني لا أملك استعمالها فيما أستوجب به مرضاة اللَّه؛ لأنه يسلم فلا يقبل منه إسلامه.

ثم يجوز أن تكون الهاءات في هذه الخطابات على معنى الإشارات إلى الأنفس، أو على تأكيد الأمر والمبالغة: كالنسابة، أو كأنهم ينادون أنفسهم بذلك، وقد تدخل الهاء في النداء؛ كقوله يا ربّاه، ويا سيّداه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015