يعذب على الصغائر؛ لأن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - مع من سبقه من الأنبياء - عليهم السلام - قد عصموا عن ارتكاب الكبائر؛ فلا يجوز أن يرتكبوا الكبائر فيهلكوا لأجلها؛ فثبت أنهم لو أهلكوا لأهلكوا بالصغائر، فلو لم يكن لله - تعالى - أن يعذب أهل الصغائر، لصار هو بإهلاكه إياه بمن معه جائرا ظالما، وجل اللَّه تعالى عن الوصف بالجور، وقال - تعالى -: (لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ)، ولو لم يكن لله - تعالى - أن يعذب على الصغائر أحدًا، لم يكن له على رسوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - موضع الامتنان بما غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر.
ثم الحق أن يقال: إن جميع الخوارج والمعتزلة لا يجوز أن يغفر اللَّه تعالى لهم؛ لارتكابهم الكبائر، وإنما هذا الرجاء الذي ذكرنا لغيرهم من منتحلي الإسلام؛ لأنهم يقولون: لا يجوز أن يغفر اللَّه تعالى لأهل الكبائر، ولا أن يتطول عليهم بالعفو، بل حق أمثالهم أن يخلدوا في النار أبد الآبدين، وإذا كان هذا هو الحكم فيهم، فاللَّه تعالى إن غفر لهم ومن عليهم بالعفو، وقع عندهم أنه إنما عفا عنهم؛ لأن الذين ارتكبوا من المآثم لم تكن كبائر بل كانت صغائر؛ إذ لا يجوز المغفرة عن الكبائر؛ فيحصل العفو في غير موضعه والإحسان في غير موقعه، وأما غيرهم من منتحلي الإسلام فهم يرجون عفوه وسعة رحمته في كل آثامهم، فإذا تفضل عليهم بالمغفرة وقع العفو عندهم موقعه؛ فلا يكون فيه تضييع الإحسان، تعالى اللَّه عما يقول الظالمون علوًّا كبيرا.
ثم قوله عَزَّ وَجَلَّ: (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللَّهُ وَمَنْ مَعِيَ أَوْ رَحِمَنَا).
أي: قل إن أهلكني اللَّه ومن معي بما سبق من الأجرام والزلات، أو رحمنا بما سبق منا من الإيمان به والانقياد لأمره والخضوع لطاعته، (فَمَنْ يُجِيرُ الْكَافِرِينَ) أي: أي شيء يجير الكافرين من عذابه، ولم يسبق منهم إلى ربهم حسنة يرحمون لأجلها، ولا طاعة يستوجبون الغفران بها؟! أو فمن يجيرهم من عذاب اللَّه تعالى إن حل بهم؟! فكأنه قيل له: قل لهم: هذا لأنهم كانوا يعبدون الأصنام؛ رجاء أن تنصرهم من العذاب الأليم، فيقول: لا تجيرهم تلك الأصنام من العذاب الأليم، واللَّه أعلم.