وقوله: (الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا)، فخلق تلك الأشياء كلها؛ ليمحتن أهلها بها، فعلى ذلك خلق الأرض ذلولا ليبلوكم بها.
ويحتمل أن يكون هذا صلة قوله: (مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ)، فأمر هناك بالنظر مرة بعد مرة هل ترى فيه تفاوتا أو فطورا؛ ليتبين عنده إذا لم ير فيه تفاوتا ولا فطورا وحدانية الرب وقدرته وسلطانه وحكمته، فأمرهم - أيضًا - بالمسير في الأرض والمشي في مناكبها وهي أطرافها - هل يرون فيها فطورًا أو تفاوتا؟ فإذا لم يروا فيها شيئا من ذلك، تقرر عندهم بجميع ما ذكرنا من الحكمة هناك، فهو في قوله: (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا) موجود؛ ولأنه ذكرهم لطيف خلقه وتدبيره في خلق الأرض، وما له على الخلق من عظيم النعمة في حقهم، وهو أنه قدر لهم فيها أرزاقهم إلى حيث يمشون فيها، وهيأ لهم الرزق هنالك، ولا يحتمل أن يذلل لهم الأرض؛ فيضربون فيها حيث شاءوا ويستخرجون منها أقواتهم أينما تصرفوا عبثا باطلا، بل لا بد أن يستأديكم شكر ما أنعم عليكم به.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ (16).
هذه الآية في موضع المحاجة على منكري البعث، فكأنه يقول - واللَّه أعلم -: إذا أنكرتم البعث وقد عرفتم الفرق بين العدو والولي وبين المطيع والعاصي، فكيف أمنتم عذابه في الدنيا أن ينزل بكم من فوق رءوسكم أو من تحت أرجلكم.
أو قد عصيتموه وعاديتموه بتكذيبكم رسوله واختياركم عبادة غيره، فكيف أمنتم نزول عذابه عليكم في حالتكم هذه، وأنتم لا تقرون بالآخرة؛ ليتأخر عنكم العذاب؟!
ثم قوله: (أَأَمِنْتُمْ) أي: قد أمنتم.
والثاني: أنكم كيف أمنتم عذاب اللَّه تعالى وأنتم تنكرون البعث؛ لتكون المحنة في الدنيا للجزاء في الآخرة، وهم يرون المحنة في الدنيا للجزاء في الدنيا؛ لأنهم كانوا يزعمون أن من وسع عليه في رزقه والنعيم في الدنيا فإنما وسع جزاء لعمله، ومن ضيق عليه العيش فإنما ضيق عقوبة له بما أساء من عمله، كما قال اللَّه تعالى: (فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ. وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ)، فكانوا يعدون التضييق والتوسيع في الدنيا جزاء لصنيعهم، وكانوا