ذلك قراءة عبد اللَّه بن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وإذا كان كذلك فوجهه: أن الذي وجب صرفه إلى الأصناف التي ذكرنا إنما هو الخمس، وأوجب - هاهنا - من كل الغنيمة، فأبان بقوله: (وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ) أنه إنما يصرف هذه الأربعة الأخماس إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - دونهم؛ لهذا المعنى: أنهم لم يوجفوا عليه من خيل ولا ركاب، أشار إلى أن استحقاقهم الأربعة الأخماس بسبب إيجاف الخيل والركاب، واللَّه أعلم.

وإن كانت القراءة على ما يتلى للحال، ليس على التقديم والتأخير، فإنه يحتمل أن يكون قوله - تعالى -: (وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ) صلة قوله: (يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ. . . وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ)، وإذا كان بناؤه على ذلك، استقام أن يذكر بحرف الواو وحرف الكناية.

قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: إن المنافقين وأهل الضعف من المؤمنين الذي آمنوا بالتقليد يظنون في هذا الموضع أن كيف خص هذه الغنيمة قرابته والمهاجرين الذين هاجروا إليه، وكيف آثر بها نفسه؟

والجواب عن هذا: أن هَؤُلَاءِ الأصناف قوم عامة المسلمين تحمل مؤنتهم لولا هذه الغنيمة، ومعلوم أن أنفس المسلمين ببذل ما عليهم من تلك الأمانة أسخى منه لو صرف إلى كل واحد منهم على الإشارة إليه من ملكه الخاص، وعلى هذه العبارة تجري مسائل لنا:

أحدها: ما روي عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه جعل العقل على أهل الديوان؛ لأن ذلك يخرج مخرج المعونة، ومعلوم أن المعونة على عامتهم؛ فبذل ما رجع من هذا الحق إلى تلك العامة أسهل عليهم لو صرف إلى خاصتهم، وكذلك قوله: (وَإِنْ فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعَاقَبْتُمْ فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ مِثْلَ مَا أَنْفَقُوا)، ومعلوم أن منع تلك الزوجة عن أن تذهب إلى دار الحرب بشيء من مال زوجها كان واجبًا على العامة، وكذلك المسلمون إذا أصابوا غنيمة وفيها مال مسلم قد غلب عليه المشركون: أنه ما دام الملك للعامة ولم يقسم يرد عليه من غير بدل، وإذا قسموا، واختص كل واحد بملكه لم يأخذه إلا ببدل؛ فكذلك الأول، واللَّه أعلم.

قال الفقيه - رحمه اللَّه -: والذي يجب من جهة العرف والشريعة: أن يكون تحمل مؤنة رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - على أمته: أما من جهة العرف فهو أن من عمل لغيره كان مؤنته على ذلك القول له، وكذلك من جهة الشريعة، ومعلوم أن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - كان يقوم بأمور أمته في أمور دنياهم وآخرتهم، وإذا كان الأمر على ما ذكرنا كان أولى ما يجعل لرسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - هو مال العامة، وذلك هو الفيء، هذا لو اختصه النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - لنفسه؛ فكيف وقد قسمه بين

طور بواسطة نورين ميديا © 2015