(6)

ثم في إذن اللَّه بقطع النخيل أوجه من التأويل:

أحدها: أن يكون فيه بيان أن مقاتلة المسلمين إياهم لم تكن لرغبة في أموالهم؛ بل ليستسلموا لله ولرسوله، ويخضعوا لدينه.

والوجه الثاني: أن حرمة هذه الأموال إنما هي لحرمة أربابها، وأبيح قتلهم وإتلافهم؛ فما ظنك بأموالهم؟!

والوجه الثالث: أن اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ - كتب عليهم الجلاء، ومعلوم أن أنفسهم بالجلاء إذا خربت بيوتهم وقطعت أشجارهم أسخى منه إذا بقيت ليقطع طمع من أجلي عن المقام؛ فأذن اللَّه - تعالى - في قطع النخيل إتمامًا لما كتب عليهم من الجلاء، والله أعلم.

والرابع: أن هَؤُلَاءِ كانوا أئمة اليهود، والتحريف والتبديل للتوراة إنما وقع منهم؛ رغبة في الدنيا وسعتها؛ فأذن اللَّه - تعالى - في قطع النخيل عقوبة لهم، وحزنًا من الوجه الذي وقع له التبديل منهم، واللَّه أعلم.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَبِإِذْنِ اللَّهِ).

إن كان المراد منه العلم فوجهه أن اللَّه - تعالى - علم منهم ذلك، ولو كان فسادا فيه لنهاهم عن ذلك.

وإن كان المراد منه الأمر فهو أن اللَّه - تعالى - أمر بالقطع والترك جميعًا.

وإن كان المراد منه المشيئة فهو أن اللَّه - تعالى - قد شاء الأمرين جميعًا، واللَّه أعلم.

واللينة: اللون من النخيل؛ كما تقول: فوت وفيتة.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ).

أي: ليكون كبتًا وغيظًا للفاسقين، واللَّه أعلم.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (6).

قال: حق هذه الآية أن تكون مؤخرة، وأن يكون قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى)، متقدمة؛ لوجهين:

أحدهما: أنه ذكر فيه الواو، والواو لا يبتدأ بها إلا في القسم.

والثاني: أن قوله: (وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ) حرف كناية، والكناية لا بد لها من معرفة تعطف عليها فترجع إليها؛ فلذلك قلنا: إن حقه التأخير وحق الثانية التقديم، وعلى

طور بواسطة نورين ميديا © 2015