ثم في إذن اللَّه بقطع النخيل أوجه من التأويل:
أحدها: أن يكون فيه بيان أن مقاتلة المسلمين إياهم لم تكن لرغبة في أموالهم؛ بل ليستسلموا لله ولرسوله، ويخضعوا لدينه.
والوجه الثاني: أن حرمة هذه الأموال إنما هي لحرمة أربابها، وأبيح قتلهم وإتلافهم؛ فما ظنك بأموالهم؟!
والوجه الثالث: أن اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ - كتب عليهم الجلاء، ومعلوم أن أنفسهم بالجلاء إذا خربت بيوتهم وقطعت أشجارهم أسخى منه إذا بقيت ليقطع طمع من أجلي عن المقام؛ فأذن اللَّه - تعالى - في قطع النخيل إتمامًا لما كتب عليهم من الجلاء، والله أعلم.
والرابع: أن هَؤُلَاءِ كانوا أئمة اليهود، والتحريف والتبديل للتوراة إنما وقع منهم؛ رغبة في الدنيا وسعتها؛ فأذن اللَّه - تعالى - في قطع النخيل عقوبة لهم، وحزنًا من الوجه الذي وقع له التبديل منهم، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَبِإِذْنِ اللَّهِ).
إن كان المراد منه العلم فوجهه أن اللَّه - تعالى - علم منهم ذلك، ولو كان فسادا فيه لنهاهم عن ذلك.
وإن كان المراد منه الأمر فهو أن اللَّه - تعالى - أمر بالقطع والترك جميعًا.
وإن كان المراد منه المشيئة فهو أن اللَّه - تعالى - قد شاء الأمرين جميعًا، واللَّه أعلم.
واللينة: اللون من النخيل؛ كما تقول: فوت وفيتة.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ).
أي: ليكون كبتًا وغيظًا للفاسقين، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (6).
قال: حق هذه الآية أن تكون مؤخرة، وأن يكون قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى)، متقدمة؛ لوجهين:
أحدهما: أنه ذكر فيه الواو، والواو لا يبتدأ بها إلا في القسم.
والثاني: أن قوله: (وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ) حرف كناية، والكناية لا بد لها من معرفة تعطف عليها فترجع إليها؛ فلذلك قلنا: إن حقه التأخير وحق الثانية التقديم، وعلى