المجلس أو يفسح لكم فسحة القلب وتوسعة للعلم والحكم، واللَّه أعلم.

وقال الحسن: (إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ)، أي: في القتال والحرب، (وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا)، أي: إذا قيل: انهزوا إلى العدو فانهزوا.

قال قتادة: أي: إذا دعيتم إلى خير أو صلاة فأجيبوا.

وقيل: هو كل خير: من قتال عدو، أو أمر بمعروف، أو نهي عن منكر، أو حق كائنًا ما كان، واللَّه أعلم.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ).

أخبر أنه يرفع اللَّه الذين آمنوا، وأخبر أنه يرفع اللَّه الذين أوتوا العلم من المؤمنين على الذين لم يؤتوا العلم درجات؛ لفضل العلم على سائر العبادات من الجهاد وغيره؛ ألا ترى أنه قال في آية الجهاد: (فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً)، جعل للمجاهدين على القاعدين فضل درجة، وللذين أوتوا العلم على الذين لم يؤتوا درجات؛ ليعلم فضيلة العلم على غيره، وكذلك قوله - تعالى -: (فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ).

قَالَ بَعْضُهُمْ: إن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - كان يجلس قومًا عند نفسه؛ ليتفقهوا في الدِّين، ويبعث قومًا سرايا، حتى إذا رجع السرايا أنذرهم الذين تفقهوا في الدِّين وتعلموا من رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -.

فإن كان التأويل هذا؛ ففيه دلالة فضيلة العلم على الجهاد؛ حتى أحوج أُولَئِكَ إليهم.

وقَالَ بَعْضُهُمْ: كان ينفر من كل قوم طائفة؛ ليتفقهوا في الدِّين، فإذا رجعوا إلى قومهم أنذروا قومهم.

وقال قتادة: إن بالعلم لأهله فضيلة، وإن له على أهله حقًّا، ولعمري الحق عليك أيها العالم أفضل، واللَّه يعطي كلا من فضل فضله.

وقتادة يقول في قوله - تعالى -: (إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا): إنهم كانوا إذا رأوا أحدهم مقبلا يضنون بمجالسهم عند رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - فأمر اللَّه - تعالى - أن يفسح بعضهم لبعض.

وقال مقاتل: أقبل نفر من الأنصار ممن شهد بدرًا، فسلموا على نبي اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - ومن حوله، فردوا السلام، وضنوا بمجلسهم من رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - فلم يوسعوا لهم؛ فقال لهم رسول اللَّه: " قم يا فلان ويا فلان " لنفر منهم من الذين لم يشهدوا بدرًا؛ فتكلم في ذلك

طور بواسطة نورين ميديا © 2015