اللَّه؛ لأنهم يقولون: إن اللَّه - تعالى - قد أعطى كلا من النصر والمعونة ما ينتصر على أعدائه وينتقم منهم حتى لا يبقى عنده مزيد ما ينصرهم ويعينهم على شيء؛ فعلى قولهم لا يقع للمؤمنين في التوكل على اللَّه - تعالى - شيء؛ لأنه ليس عنده ما ينصرهم ولا ما يعينهم، فعلى ماذا يتوكلون عليه على قولهم إذا لم يملك ما ذكرنا، ومن قولهم: إن على اللَّه - تعالى - أن يعطي من المعونة والتوفيق حتى لا يبقى عنده مزيد بشيء فلو منع شيئًا من ذلك لم يعطهم يكون جائرًا، ثم إذا أعطاهم ما ذكروا، ولا يهتدون ولا ينتصرون، واللَّه - تعالى - قال: (إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ)، وقال: (مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي)؛ فدل أن ما قالوا مخالف للكتاب.
ثم اختلف في اشتقاق النجوى:
فمنهم من قال: هو من النجوة، وهو المكان العالي المرتفع: وذلك أنهم كانوا يقومون في مكان مرتفع فيتحدثون فيه فإذا رأوا من قصد بهم فيتفرقون، أو كلام نحو هذا معناه.
ومنهم من قال: التناجي: التخالي بما ذكروا، فيكون معنى قوله: (إِذَا تَنَاجَيْتُمْ) أي: إذا تحاليتم فلا تتخالوا بما ذكر.
وقَالَ الْقُتَبِيُّ: التناجي من التشاور، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (11).
يخرج على وجهين:
أحدهما: وإذا قيل لكم تأخروا في المجلس فتأخروا، (وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا)، أي: ارتفعوا وتقدموا؛ فيكون قوله: (تَفَسَّحُوا) إذا كان الحضور أولا هم الذين همتهم السماع والعمل به ثم جاء من يريد التفقه فيه، فقيل لهم: تأخروا؛ حتى يقرب من يصير إمامًا للناس وفقيهًا لهم. وإذا كان الحضور هم الذين همتهم أن يكونوا هم الأئمة، ثم جاء بعد ذلك من كان همتهم السماع والعمل به، قيل للذين تقدموا أولا: ارتفعوا وتقدموا حتى يسمع من حضر بعدكم قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -، واللَّه أعلم.
والثاني: أنه إذا كان في المجلس أدنى سعة وفسحة ما يمكن تمكين غيره بالتحريك والتفسح دون القيام يقال لهم: تفسحوا. وإذا لم يمكن ذلك إلا بالقيام قيل لهم: قوموا وارتفعوا وتقدموا.
وقوله: (يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ) يحتمل وجوهًا:
أحدها: يفسح اللَّه لكم في القبر، أو في الآخرة في الجنة، أو يفسح اللَّه لكم في