قيل: لو كان ذلك حكما ثابتا مقررا في شريعته، لم يمتنع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - عن العمل به، وحكمه بذلك ما لم ينزل عليه الناسخ وإن أعلم أنه سينسخ؛ لأنه يجب عليه العمل بما أنزل عليه؛ لقوله: (وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ)، وقوله: (بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ)، وإذا ورد الناسخ بخلافه يكون عمله في المستقبل لا فيما مضى، وإنما يستقيم هذا على ما قلنا: إن الظهار قبل نزول الآية لا حكم له في الإسلام، وكان تحريما في الجاهلية؛ فمتى وجد هذا السبب، ووقعت هذه الحادثة، أمرها بالاجتناب عن الزوج؛ احتياطا حتى نزلت الآية؛ فيظهر أن حكمه ما هو؟ من حين وجوده؛ إذ يجوز أن يريد اللَّه تعالى بهذا هذا الحكم، وإن كان لا علم للمباشر به؛ إذا كان بحيث يمكنه الوصول إلى العلم به عند الحاجة إلى العمل به، والحكم كالنص الذي ورد مجملا في إيجاب حكم، ثم ورد البيان متأخرا، والنص العام الذي يتأخر بيانه على خلاف ظاهره؛ فعلى ذلك هذا، واللَّه أعلم.
ثم قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا)، أي: سمع قولها ومجادلتها في زوجها، ومجادلتها مع رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - في سؤالها إياه عما ابتليت بقول زوجها لها: " أنت علي كظهر أمي ".
والمجادلة هي المخاصمة، وهي المحاورة، وكان مجادلتها في زوجها أن قالت: " واللَّه ما ذكرت طلاقا "، حين قال لها بعدما قال لها: " إن خرجت من الدار، فأنت علي كظهر أمى "، وخرجت -: " ما أراك إلا وقد حرمت عليَّ ".
وأما مجادلتها مع النبي - عليه السلام - ومحاورتها هي قولها: " لا تقل ذلك "، وقول رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: " ما أراك إلا وقد حرمت عليه "، فهذه محاورتهما.
ومن الناس من يقول: المحاورة: هي المراجعة في الكلام، وهما يرددان الكلام ويراجعانه ويكررانه، وهو ما ذكر أن النبي - عليه السلام - يكرر قوله: " ما أراك إلا وقد حرمت عليه "، وهي تردد وتكرر قولها: " لا تقل ذلك يا رسول اللَّه؛ فإنه ما ذكر طلاقا "، ولكن هذا قريب من الأول.
وقال بعض أهل اللغة: (تَحَاوُرَكُمَا)، أي: كلامكما، والتحاور: الكلام بين اثنين.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا) قيل فيه بوجهين:
أحدهما: أن تشتكي إلى رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -، لكن اللَّه تعالى أضاف إلى نفسه؛ لأن مرادها أن تنزل آية من اللَّه تعالى على رسوله بالفرج عنها.
والثاني: أن شكواها إلى اللَّه تعالى وتضرعها قد كان حيث لم تجد الفرج والمخرج فيما قال لها رسول اللَّه عليه الصلاة. والسلام: " ما أراك إلا وقد حرمت عليه "، فاشتكت