بالحديد؛ فصار مخصوصا في حق المحنة وغيرها من المنافع، حتى لا يلتئم أمر من أمور المعاش إلا به؛ فلذلك خص، واللَّه أعلم.

وقال أهل التأويل: أنزل من السماء المطرقة والفلاة والكلبتين.

وعندنا ليس على حقيقة الإنزال من السماء كذلك.

ومعنى قوله تعالى: (وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ)، أي: خلقنا؛ كقوله: (وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ)، أي: خلقها، وقوله تعالى: (أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ)، ومعلوم أنه لم ينزل اللباس على ما هو عليه؛ ولكن معناه: خلقه لباسا لهم؛ كذلك هذا.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ) يحتمل (مَنْ يَنْصُرُهُ) أي: دينه أو أراد بإضافة النصر إلى نفسه نصر رسوله مُحَمَّد وسائر رسله عليهم الصلاة والسلام.

ثم نصر الرسل مرة يكون بتبليغ ما أمروا إلى قومهم، ينصرونهم، ويعينونهم على ذلك، ونصر دينه إظهاره في الخلق والذب عن أهله والمعونة لهم؛ هذا يحتمل، وعلى هذا يخرج قوله تعالى: (إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ)، واللَّه أعلم.

وجائِز أن يكون المراد من إضافة النصر إليه نصر أنفسهم ودينهم، إذ هم المنتفعون بذلك، ولهم يحصل ذلك النفع وتلك المعونة، لكنه بفضله وكرمه، سمى ذلك: نصره، وأضافه إلى نفسه، على ما جعل لأعمالهم التي يعملونها لأنفسهم ثوابا، وذكر لهم على ذلك أجرا، كأنهم عاملون له، وهم المنتفعون بها، المحتاجون إليها، فعلى ذلك جائز أن يكون ما عملوا لأنفسهم سماه: نصرا له وإن كان ذلك النصر لهم، وأنه ناصر الكل؛ حيث قال: (إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ)، أخبر أنه إذا نصرهم لا غالب لهم سواه، وإذا خذلهم لا ناصر لهم دونه، واللَّه أعلم.

ثم قوله - عَزَّ وجل -: (وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ) يخرج على وجهين:

أحدهما: ليعلم من قد علم أنه ينصر: ناصرًا وليعلم من قد علم بالغيب أنه يكون كائنا شاهدا، والتغيير على المعلوم لا على العلم.

والثاني: يريد بالعلم المعلوم، وذلك جائز في اللغة، ذكر العلم والفعل على إرادة المعلوم والمفعول: نحو ما يقال: الصلاة أمر اللَّه، أي: بأمر اللَّه؛ لأن الصلاة لا تكون أمره.

وقوله - عَزَّ وجل -: (إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ) ذكر هذا؛ ليعلم أنه لم يأمر فيما أمرهم من القتال والنصر لحاجة نفسه، ولا استعملهم فيما استعمل من النصر والمعونة لنفسه، ولا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015