الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ)؛ فيكون الكتاب ما يحفظ حدود الأفعال والأقوال، وتكون الحكمة ما يقوم الناس بها بالقسط.
أو أن تكون الحكمة ما أودع في الكتاب من المعاني.
وقال الحسن في قوله: (وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ): إنهما واحد.
ثم قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ) يخرج على وجهين:
أحدهما: أنزل ما ذكر من الكتاب والميزان؛ ليلزم الناس القيام بالعدل، وقد ألزمهم ذلك بما أنزل عليهم من الكتاب والميزان وبين الحدود.
والثاني: أنزل ما ذكر؛ ليقوم الناس بالقسط؛ على وجود القيام بالعدل.
فإن كان المراد منه الوجود فهو راجع إلى خاص من الناس، وإن كان على الإلزام فهو راجع إلى الكل وهو كقوله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)، فإن كان على وجود العبادة فهو يرجع إلى خاص من الناس، وإن كان المراد بقوله: (إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)، أي: لأمرهم وإلزامهم فهو للكل؛ فإنه قد خلقهم ليأمرهم ويلزمهم، وقد أمرهم وألزمهم، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ)، خص اللَّه تعالى ذكر الحديد بما جعل فيه من البأس من بين غيره من الأشياء، وإن كان يشاركه غيره في احتمال الأذى والضرر به مما يطعن به فينفذ ويضرب به، ويستعمل في الحروب والقتال؛ لأمرين:
أحدهما: أنه هو الكامل في الظفر والنفاذ والجرح، وإن كان قد يتحقق من غيره؛ ولذلك اعتاده الناس آلة القتال والحرب؛ فيكون البأس فيه أشد.
والثاني: لما يتحصن به باتخاذ الدرع؛ لقوله: (وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ)؛ لهذا اختص الحديد، واللَّه أعلم.
وقوله: (وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ) جعل اللَّه تعالى في الحديد منافع ليست تلك في غيره، وهو ما يتخذ منه ما يحرز به ويخاط من الخفاف وغيره، مما لا يحتمل هذا النوع لغيره، وكذلك حوائج الخلق لا تقوم في سائر أنواع الحرف والأعمال من التجارة والزراعة والبناء وغيرها إلا به.
وفيه خصوصية في حق المحن، وهو ما يظهر عند فرض القتال صدق إيمان المحقق ونفاق المرتاب؛ بقوله: (فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً)، ونحو ذلك، فظهر الصادق من الكاذب في الحروب، وإنما ذلك