(56)

أعلم.

وقَالَ الْقُتَبِيُّ: لا، ولكن ذكر البطانة من إستبرق، ولم يذكر الظهارة، والعرف في الناس: أن ظهارة فرشهم أنفس من البطانة، والبطانة دون الظهارة، فعلى ذلك في ذكر البطانة ووصفها بأنها من الإستبرق دلالة أن ظهارتها أرفع وأنفس من البطانة.

لكن ما قاله الفراء صحيح، وما ذكره الْقُتَبِيّ هو من صنيع الناس في الدنيا من اتخاذ الظهارة فوق البطانة؛ لما لا تحتمل أملاكهم التسوية بين ما بطن وما ظهر في النفاسة والرفعة، فأما اللَّه - سبحانه وتعالى - فلا نفاد لخزائنه، يفعل ما يشاء كيف شاء.

وعن ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قال: قد أخبرتم بالبطائن فكيف بالظهارة؟ ثم الإستبرق اختلف فيه:

قيل: هو ما غلظ منه بلسان قوم.

وقَالَ بَعْضُهُمْ: هو ما دق ورق، واللَّه أعلم.

ولا نفسره نحن: أنه ما هو؟ وكيف هو؟ ولكن نعلم أنه شيء وعد لهم ربهم، وهو شيء ترغب فيه أنفسهم، واللَّه أعلم.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ) جائز أن يكون ذكر هذا في حق السابقين الذين سارعوا في الخيرات، واستبطئوا ما وعد لهم بما لم يروا لطاعاتهم قيمة، ويغلبهم خوفهم في التقصير في العمل لله تعالى الواجب عليهم، وفي أوامره ونواهيه، فقال: (وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ) اللتين وعد لكم (دَانٍ)، قال أهل التأويل: أي: الشجر دان منهم، قربت حين يتناولها الرجل كيف شاء، لكن يذكر هنا - واللَّه أعلم -: أن الجنتين وإن بعدتا، فإن الثمار منهم دانية.

قال أَبُو عَوْسَجَةَ: الجني: الحمل، وأجنت الشجرة تجنى؛ إذا حملت وأدرك حملها.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ (56) أي: قصرن طرفهن على أزواجهن، ولا ينظرن إلى غيرهم، ولا يشتهينهم، وقال في آية أخرى: (حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ)، ذكر هذا؛ لأن أهل الدِّين يكونون من أهل غيرة، لا يريدون أن تنظر أزواجهم إلى غيرهم، ولا غيرهم ينظرون إليهن، فأخبر بالآيتين: أنهن لا ينظرن إلى غير

طور بواسطة نورين ميديا © 2015