يدفعون إلى النار.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ (43) أي: إذا وقعوا على الوصف الذي ذكر عند ذلك يقال لهم: هذه جهنم التي كنتم تكذبون بها في الدنيا.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍءَانٍ (44) أي: يطوفون بين جهنم وبين حميم، فيجوز أن يكون عبر بـ " جهنم " عما يأكلون، وهي النار، وبـ " الحميم " عما يشربون، كأنه يقول - واللَّه أعلم -: يطوفون بين ما يأكلون، وبين ما يشربون، لا يشبعون عما يأكلون، ولا يروون عما يشربون؛ بل كلما أكلوا زادتهم جوعا، وكلما شربوا زادتهم عطشا، والحميم: هو الشراب الذي جعل لهم، والآن: هو الذي قد انتهى حره غايته ونهايته.
وقوله: (فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (45) من الناس من قال: في قوله: (فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ) على إثر الوعيد، إنما يقال لهم في الآخرة؛ أي: بأي آلاء ربكما تكذبان في الدنيا؛ كقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ. . .) إلى قوله: (وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ. . .) الآية.
* * *
قوله تعالى: (وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ (46) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (47) ذَوَاتَا أَفْنَانٍ (48) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (49) فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ (50) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (51) فِيهِمَا مِنْ كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ (52) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (53) مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ (54) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (55) فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ (56) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (57) كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ (58) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (59) هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ (60) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (61).
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ)، ذكر الخوف عن المقام بين يدي ربه، ولم يبين خوفه ماذا؟ ولا أنه إذا خافه تركه أو لا؟ فجائز أن يكون ما ذكر من الخوف بين يدي ربه ما بَيّنَ في آية اخرى، وهو قوله: (وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى)، يحتمل وجهين:
أحدهما: نهى النفس عما تهواه.
والثاني: منع النفس عن أن تهوى ما نهيت عنه، واللَّه أعلم.
وجائز أن يكون في هذه الآية بيان ما ذكر في تلك الآية من الخوف من المقام بين يدي ربه، أي: خاف مقام ربه، وترك ما هم به من المعصية، أو ما هوت نفسه.
ثم لسنا نعرف ما فائدة ذكر الجنتين له ليس ذلك في ثلاث أو أربع؟ قال أهل التأويل: إنما ذكر جنتين؛ لأن الجنان أربعة: جنة عدن، وفردوس، وجنة المأوى، وجنة النعيم،