وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَيَوْمَئِذٍ لَا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلَا جَانٌّ (39) اختلف في تأويله:
قَالَ بَعْضُهُمْ: أي: لا يسأل إنسي ولا جني عن ذنب غيره، إنما يسأل عن ذنب نفسه؛ نحو ألا يسأل من أضل غيره عن ضلال ذلك الغير، إنما يسأل الذي أضله عن إضلاله، ويسأل الضال عن ضلاله كقوله: (رَبَّنَا أَرِنَا اللَّذَيْنِ أَضَلَّانَا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا. . .) الآية.
ومنهم من قال: لا يسأل بعض عن بعض، أي: لا يسأل جني عن ذنب إنسي، ولا إنسي عن ذنب جني، ومنهم من قال: لا يسألون سؤال استخبار واستفهام؛ أي: لماذا فعلتم؟ ولكن يسألون لم فعلتم يطلبون عن الحجة، لا عن نفس الفعل؛ لأن كل ذي مذهب ودين، إنما يفعل لحجة تكون له.
ومنهم من قال: لا يسألون عن ذنوبهم، ولكن يسألون عما في وجوههم من الأعلام من الاسوداد، وزرق العيون، وغير ذلك مما ذكر في الكتاب: أنها تكون للكفار، كقوله تعالى: (وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ)، وقوله تعالى (فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ. . .) الآية، وما ذكر من أعلام المؤمنين من قوله: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ. إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ)، وقوله تعالى: (ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ).
وقَالَ بَعْضُهُمْ: لا يسأل الملائكة عن المجرمين؛ لأنهم يعرفون بسيماهم كقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ) ذكر اللَّه تعالى في كتابه للمجرمين أعلاما يعرفون في الآخرة بها على ما ذكرنا من اسوداد الوجوه؛ كقوله: (قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ (8) أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ)، وقوله: (نَطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا)، أي: على أعقابها، فهو - واللَّه أعلم - تكون وجوههم في بعض الأحوال خاشعة، ثم غبرة، ثم مسودة، ثم تطمس من نظر ذلك، فنعوذ باللَّه من تلك الأحوال التي ذكر.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالْأَقْدَامِ (41) قيل: بكسر أضلاعهم وظهورهم، فتجمع أقدامهم ونواصيهم، فيرمى بهم في النار.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: تغل أيديهم إلى أعناقهم، ثم تجمع به نواصيهم وأقدامهم، ثم