ويحتمل: أي: إنا كل شيء خلقناه بقدر وحَدٍّ ينتهي إليه ذلك، ويبلغ حده، ليس كالمخلوق لا يعرف أحد قدر فعله ولا حده الذي ينتهي إليه، ولا يخرج فعل أحد من المخلوقين على ما يقدرونه، فأخبر أن فعله يخرج على ما يقدره خلافا لفعل غيره؛ فيدل على أنه هو الخالق، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ ... (50) الأمر فيما بين الخلق على وجهين:
أحدهما: أمر شأن بالفعل.
والآخر: أمر تكليف لغير.
ثم قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ)، إنما هو أمر فعل؛ يخبر عن سهولة ذلك عليه، أي: شأنه وفعله يسير عليه، لا يعجزه شيء ولا يشغله؛ فعلى ذلك أمر الله وخفته عليه، والواحد ليس هو اسم العدد، وإن كان الحساب يبتدئ به إنما هو اسم التوحد والتفرد؛ كما يقال: فلان واحد زمانه، لا يريدون من جهة العدد؛ إذ له أعداد وأمثال من جهة العدد، ولكن إنما يراد بأنه المتوحد في شأنه وفعله، ولا نظير له؛ فعلى ذلك تسميته إياه: واحدا لتفرده وتوحده في ألوهيته وربوبيته، وتسمية أمره واحدا: أن فعله وشأنه لا يشبه أفعال غيره، وأنه لا نظير له في ذلك، وأنه يسير عليه، لا حاجة له إلى الوقت، والآلة، وغير ذلك؛ ألا ترى أنه قال: (كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ) يخبر عن خفة ذلك عليه وسهولته، من حيث لا يثقل على أحد رد البصر ولا لمحه، هذا وجه.
الثاني: فيه إخبار أنه لا يشغله شيء؛ لأن الناس تشغلهم بعض أمورهم عن بعض.
وأهل التأويل يصرفون الآية إلى الساعة؛ كقوله تعالى: (وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ)، وهو محتمل؛ فيخبر أن الآخرة ليس على تقدير أمر الدنيا على اتباع بعض بعضا، وعلى إرداف شيء على شيء، وعلى الانتقال والتغير من حال إلى حال، ولكن أمر الآخرة على التكون بمرة واحدة.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا أَشْيَاعَكُمْ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (51) يحتمل قوله (أَشْيَاعَكُمْ) على وجهين:
أحدهما: إخوانكم وأهل دينكم بتكذيبهم الرسل - عليهم الصلاة والسلام - واذكروا أنتم يا أهل مكة؛ لئلا تهلكوا بتكذيبكم محمدا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -.
والثاني: أي: ولقد أهلكنا أشياعكم، وعرفتم ذلك، (فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) يتذكر ويتعظ، ويعتبر به.