قال أَبُو عَوْسَجَةَ: وقيل: الأَشِر، والأَشَر هو البطر -كما يقال: حذِر وحَذَر- وهو المرح المتكبر.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (سَيَعْلَمُونَ غَدًا مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ (26) قرئ بالياء والتاء؛ فمن قرأ بالياء احتج بقوله (فِتْنَةً لَهُمْ)، ولم يقل " لكم "، ومن قرأ بالتاء جعل الخطاب من رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - للكفرة، أي: ستعلمون غدا عند نزول العذاب بكم من الكذاب أنا أو أنتم؟ وهذا وعيد منه لهم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (إِنَّا مُرْسِلُو النَّاقَةِ فِتْنَةً لَهُمْ فَارْتَقِبْهُمْ وَاصْطَبِرْ (27) لنفتنهم بها، ونمتحنهم، لم نعطهم مجانا جزافا؛ كقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ)، وقوله - تعالى -: (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً).
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَارْتَقِبْهُمْ وَاصْطَبِرْ) أي: فارتقبهم بما يكون منهم من التكذيب للناقة والعقو لها.
ويحتمل أن يكون قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَارْتَقِبْهُم) هو خطاب لرسوله عليه الصلاة والسلام في حق أهل مكة، كقوله (فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ).
وقوله: (وَاصْطَبِرْ) أي: اصطبر على أذاهم، ولا تكافئهم.
أو اصبر على تبليغ الرسالة.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ (28) وقال في آية أخرى: (لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ)، وفيه من الفوائد والدلائل:
أحدها: أن تلك الناقة كانت عظيمة على خلاف سائر النوق؛ حتى احتاجت هي إلى الماء مثل الذي احتاج إليه سائر النوق وأهلها؛ حتى قسم الماء يينها وبين سائر النوق.
وفيه: أنه لا بأس بقسمة الشرب؛ حيث ذكر في الآية قسمة الماء، وذكر في آية أخرى: (شِرْبُ يَوْمٍ)، وهو قسمة بالأيام.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ) أي: كل شرب بحضرة من له شرب ذلك، لا يحضره غيره.
وفيه: أن تلك الناقة وإن كانت آية ومعجزة له، فكانت تعتلف وتشرب كسائر النوق التي ليست هي بآيات، وإن كانت تخالف سائر النوق في عظمها، وقدر علفها وشربها.
ثم جعل الماء بينها وبين أُولَئِكَ القوم بالقسمة، ولم يجعل العلف بينها وبينهم بالقسمة؛ لاشتراكهم جميعا في الماء -أعني: البهائم والبشر- وحاجة كل منهم إلى الماء، فلذا جعل النبات مشتركا بينها. وبين سائر البهائم؛ لأن في ذلك كثرة، فلا حاجة إلى