بقديد.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى).

قَالَ الْقُتَبِيُّ: هي في الأصل " ضَيزَى " على وزن " فَعْلَى "، فكسرت الضاد للياء، وليس في النعوت " فِعْلى "؛ أي: قسمة جائرة.

وقال أَبُو عَوْسَجَةَ: (ضِيزَى) أي: غير منصفة، والضيز في الأصل: الجور.

وقال أبو عبيدة: ناقصة.

وقال بعض الناس: إن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - لما تلا قوله تعالى: (أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى. وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى) ألقى الشيطان على لسانه: " تلك الغرانيق العلا، وإن شفاعتهن لترتجى، ومثلهن لا تنسى ".

ثم قَالَ بَعْضُهُمْ: الغرانيق العلا: الملائكة.

وقال بعصهم: الأصنام التي يعبدونها على رجاء الشفاعة لهم بقولهم: (هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ).

لكن لا يحتمل أن يقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -، أو يجري على لسانه ما ذكر، واللَّه - تعالى - قال: (وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ (44) لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (45) ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ (46) فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ)، ولو جاز أن يجري على لسانه، لتوهم منه التقول، وذلك بعيد، وقال في آية أخرى: (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ)، ولو جاز ذلك، لجاز أن يجري الله الكذب على لسانه؛ فلا يكون فيمن وجد من الحرج في قضائه ما ذكر، وهو الكفر؛ دل أن ما ذكروه فاسد، فإن ثبت ما ذكر: أنه جرى على لسانه تلك الكلمات، أو ألقى الشيطان في فمه يريد بذلك: الغرانيق العلا شفاعتهن لترتجى عندهم وفي زعمهم، وهو كقول موسى - عليه السلام -: (وَانْظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا)، أي: إلى إلهك الذي هو عندك إله، وإلا لا يحتمل أن يكون موسى - عليه السلام - يسمي العجل: إلها، وكقوله - تعالى -: (فَرَاغَ إِلَى آلِهَتِهِمْ)، أي: إلى آلهة عندهم، وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ)، أنها شركائي، فقد ذكرنا هذا على التمام في سورة الحج في قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ. . .) الآية، واللَّه أعلم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015