وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ) يحتمل وجوهًا:

أحدها: أي: شبههم في التوراة والإنجيل الآحاد والأفراد منهم المختارون من بين غيرهم الذين يعظمونهم الأتباع والملوك ويحلونهم، فما بالكم لا تعظمون أنتم هَؤُلَاءِ ولا تتبعونهم كاولئك، واللَّه أعلم.

والثاني: يحتمل: (ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ) أي: ذلك نعتهم ووصفهم في التوراة والإنجيل؛ أي: على ذلك نعتوا ووصفوا في التوراة والإنجيل، وقد عرفتم ذلك، فهلا اتبعتموهم إذا نعتوا ووصفوا في القرآن.

وقَالَ بَعْضُهُمْ: قوله: (ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ) مقطوع مقصود، وهو ما تقدم من قوله: (وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ. . .) إلى قوله: (مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ)، ثم ابتدأ فقال: (وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ. . .) الآية، وهذا يحتمل ووجه حسن، وعلى التأويلين الأولين ما ذكرنا من وصفهم، كأنه في التوراة والإنجيل جميعًا، ثم نعتهم - أيضًا - بقوله - تعالى -: (كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ)، واللَّه أعلم.

ثم ذكر نعت أصحابه - رضي اللَّه عنهم - في هذه الآية، ولم يذكر نعت رسوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -، وإِنَّمَا ذكر نعته في آية أخرى، وهو قوله - تعالى -: (النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ. . .) الآية، ذكر نعته وصفته في الآية - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - ونعت أصحابه - رضي اللَّه عنهم - في هذه السورة، واللَّه أعلم.

ثم قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ. . .) الآية دلالة الرسالة؛ لأنه أخبر أن نعتهم في الكتب المتقدمة كما ذكر في القرآن، ثم لم يقل أحد من أهل الكتب المتقدمة: أن ليس ذلك نعتهم أو شبههم في تلك الكتب، ثبت أنه بالله عرف، ولا قوة إلا باللَّه.

ثم قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ. . .) الآية، شبههم بالزرع الذي ذكر - واللَّه أعلم - لأنهم أحيوا سنن الدِّين وشرائعه التي كانت من قبل بعدما درست، وانقطع أثرها؛ لأنه لم يكن فيما بين عيسى ومُحَمَّد - عليهما الصلاة والسلام - رسول فقد انقرض ذلك واندرس، ثم جاء مُحَمَّد - عليه أفضل الصلوات وأكمل التحيات - بعد دروس ذلك وانقراضه كالزرع الذي يخرج وحده، وهو النبت الواحد في أول ما يخرج، فأعانه أصحابه وآزروه كانوا إليه كالخلفة التي تنبت حول الساق تؤازر الخلفة والنبت، فأما (شَطْأَهُ) فقيل: هو مُحَمَّد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - خرج وحده كما خرج أول النبت وحده، وأما الوالية التي تنبت حول الشطأة فاجتمعت، فهم المؤمنون كانوا في

طور بواسطة نورين ميديا © 2015