الشفاعة لكانت لا تنفعهم؛ كقوله - تعالى -: (فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ) أي: لو كانت لهم شفعاء لكانت لا تنفعهم شفاعتهم، ليس أن يكون لهم شفاعة أو شفعاء، وهو كقوله - تعالى -: (لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ) الآية.، وكقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ. . .)) الآية؛ فعلى ذلك يحتمل قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَلَا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفَاعَةَ) أي: لا ينفعهم، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) يخرج قوله: (وَهُم يَعْلَمُونَ) على وجهين:
أحدهما: يرجع إلى الملائكة، فيكون كأنه يقول: ولا يملك الذين يدعون من دونه الشفاعة وهم يعلمون أنهم لا يملكون الشفاعة.
والثاني: يرجع إلى من شهد بالحق، يكون كأنه يقول: ولا يملك الذين يدعون من دونه الشفاعة إلا من شهد بالحق وهم يعلمون أنهم يشهدون بالحق، والشهادة بالحق ما ذكرنا، يعني: يشهدون على وحدانية اللَّه - تعالى - وألوهيته، وأنه هو المستحق بالعبادة دون من عبدوهم، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ ... (87) وقال في أول السورة: (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ)، ثم نعته فقال: (الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ. . .)، إلى آخر ما ذكر؛ قد أقروا جميعًا: أن الذي خلق السماوات والأرض وخلقهم وما يحتاجون إليه هو اللَّه تعالى.
ثم علمهم وعرفانهم بذلك يحتمل وجوهًا:
يحتمل: علم حقيقة على التسخير والاضطرار بأن أنشأ اللَّه - تعالى - علمًا في قلوبهم، فعلموا بذلك حقيقة أن اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ - هو خالق ذلك كله.
ويحتمل علموا علم الاستدلال بالتأمل والنظر؛ إذ من عادة العرب التأمل والنظر في الأشياء، فنظروا وتأملوا، فعرفوا بالاستدلال العقلي أنه كذلك، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ) يقول: فأي شيء يصرفهم ويأفكهم عن القيام بوفاء ما أعطوا بألسنتهم، وتحقيق ما أقروا ونطقوا أن اللَّه خالق ذلك كله، وأن ذلك كله منهم، وجعل ذلك لمن يعلمون أنه لا شيء من ذلك منهم، وبعد معرفتهم بذلك، أعني: الأصنام التي يعبدونها، واللَّه الهادي.
وقال أهل التأويل: أي: فأنى يكذبون بعد علمهم ومعرفتهم ذلك في تسميتهم