ويحتمل: (وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ): القيامة؛ كقوله - تعالى -: (يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ)، ونحو ذلك، واللَّه أعلم.
أخبر أنه لم يطلع اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ - على حقيقة ما ذكر أحدًا من خلقه.
وقوله: (وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) قد ذكرنا في غير موضع: أن تخصيص ذلك بالرجوع إليه يخرج على وجوه، وإن كانوا في جميع الأحوال راجعين فيه إلى اللَّه - تعالى - صائرين إليه:
أحدها: لأن المقصود من إنشائهم ذلك -أعني: البعث- كي لا يكون خلقهم عبثًا، على ما ذكرنا غير مرة.
ويحتمل أنه خص ذلك اليوم بالرجوع إليه والمصير والخروج؛ لأنه يومئذ يخلص خروجهم ورجوعهم إليه وانقيادهم له، وقد ذكرناه، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَلَا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (86) إن قومًا كانوا يجدون الملائكة؛ رجاء أن يكونوا لهم شفعاء؛ لما عرفوا من خصوصيتهم وفضلهم عند اللَّه - تعالى - وذلك معروف في الناس أنهم يخدمون ويكرمون خواص ملوكهم رجاء أن يشفع لهم أُولَئِكَ الخواص عند الملك إذا نزل بهم بلاء ووقعت لهم حاجة يومًا من الدهر، فعلى ذلك هَؤُلَاءِ الكفرة كانوا يعبدون الملائكة؛ لما عرفوا من خصوصيتهم وفضل منزلتهم عند اللَّه تعالى.
ثم أخبر - عَزَّ وَجَلَّ - عن الملائكة أنهم لا يملكون الشفاعة بقوله: (وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى)، وهو قوله: (إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ)، أي: إلا لمن شهد بوحدانية اللَّه - تعالى - وألوهيته، لا يشفعون لأُولَئِكَ، إنما يشفعون لمن ذكر، وإن كانت لهم خصوصية عند اللَّه - تعالى - لأن اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ - نهى أُولَئِكَ أن يعبدوا الملائكة ويعظموهم من جهة العبادة؛ لذلك لا يملكون الشفاعة لهم؛ فيكون مثل هذا مثل ملك نهى قومه أن يخدموا أو يعظموا أحدًا سواه من خواصه، فإذا فعلوا ذلك وخدموهم وتركوا نهيه لا يملك أُولَئِكَ الخواص ولا يتجاسرون على طلب الشفاعة عند الملك لأُولَئِكَ الذين نهاهم الملك أن يخدموهم ويعظموهم دونه، فعلى ذلك الملائكة، لم يجعل لهم شفاعة لأُولَئِكَ الذين عبدوهم دونه إلا لمن ذكر، وهم: الذين شهدوا بالحق، وقاموا بعبادة اللَّه - تعالى - فقد أذن اللَّه لهم بالشفاعة لأُولَئِكَ، واللَّه أعلم.
ويحتمل أن يكون قوله: (وَلَا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفَاعَةَ) أي: لو كانت لهم