(65)

قدره عند اللَّه وجلت صولته عنده فإنه لا يخرج من العُبُودة، وأنه عبد اللَّه، ليس بإله، ولا ابنٍِ له، على ما زعم أُولَئِكَ الكفرة، واللَّه الهادي.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ عَذَابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ (65).

هذا يحتمل وجهين:

أحدهما: أن يكون حرف " من " صلة زائدة، ومعناه: فاختلف الأحزاب بينهم، والاختلاف فيما بينهم في عيسى أمر ظاهر بين (فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمْ) أي: اختلف الأحزاب من اختراع كان منهم فيما بينهم، أو كلام نحوه؛ ولذلك كان الاختلاف الواقع بينهم إنما كان باختراع من ذات أنفسهم، لا أن كان ذلك سماعًا من الرسل - عليهم السلام - ولذلك نهى هذه الأمة عن الاختلاف والتفرق؛ حيث قال: (وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ)، وقد اختلفت هذه الأمة بعد وفاة رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - حتى قاتلهم أبو بكر الصديق - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - على ذلك، واتبعه سائر الصحابة على ذلك، حتى قاتل الرجال، وسبى النساء والذراري، وظهرت - أيضًا - الخوارج في زمن علي بن أبي طالب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - على ذلك، حتى اجتمعوا على الوفاق، وغير ذلك من الاختلاف والتفرق الذي كان ظهر ووقع فيما بينهم، وكان في ذلك دلالة الرسالة لرسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - لأنه ذكر - عَزَّ وَجَلَّ - في كتابه أنهم يختلفون بعد وفاته، وأنهم ينقلبون على أعقابهم؛ حيث قال: (أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ. . .) الآية، وقال في ارتدادهم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ)، هذا في أبي بكر الصديق - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وقال في علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا) الآية، وقال رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: " يقاتل هذا بالتأويل كما نقاتل نحن على التنزيل " يعني: عليًّا - رضي الله عنه - وقد كان كل ما ذكر من الاختلاف والتفرق والتنازع في الدِّين من الانقلاب على الأعقاب والارتداد والامتناع عن إيتاء الزكاة، وإتيان ما ذكر من قوم يحبهم ويحبونه، أذلة على المؤمنين، أعزة على الكافرين، وغلبة حزب اللَّه وأهل توحيده على أُولَئِكَ؛ ففي ذلك كله دلالة إثبات الرسالة؛ إذ خرج على ما أخبر - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - وذكر في المستقبل، واللَّه أعلم.

ثم إن اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ - بفضله وبرحمته رفع ذلك الاختلاف والتفرق والتنازع بينهم، وجمعهم على ألفة وحب، ولم يرفع من بين أُولَئِكَ فقال: (فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمْ) والأحزاب: الفرق الذين تحزبوا؛ أي: تفرقوا، وقد ذكرنا هذا فيما تقدم.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ عَذَابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ) هي ظاهرة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015