قدرته وعلمه وتدبيره أن يخرج الثمرات من أكمامها، ومن آياته أن تحمل الأنثى وتضع، وهو أن اللَّه تعالى أنشأ تلك الثمرة في الأكمام، وكذا الولد في البطن في حجب وسواتر ورباه في تلك الحجب والسواتر، وغذاه بأغذية، ودفع عنه جميع الأذى من البرد والحر وجميع ما يؤذيه؛ لضعفه ولطافته؛ لطفًا منه ورحمة، وصوَّره في تلك الحجب والسواتر بأحسن صورة؛ ليعلم ألوهيته ووحدانيته وأن له علما ذاتيا وقدرة ذاتية أزلية لا مكتسبا مستفادا؛ إذ العلم المستفاد والقدرة المستفادة لا تبلغ ذلك، واللَّه أعلم.
ثم قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (مِنْ أَكْمَامِهَا) أي: المواضع التي كانت فيها مستترة، وغلاف كل شيء كمه، كما قيل: كم القميص.
وقال أَبُو عَوْسَجَةَ: أكمامها: غطاؤها التي يكون فيها قبل أن يتعيق، والتعيق: التشقق؛ يقال: تعيقت الأكمام عن الثمرة، أي: تشققت.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ أَيْنَ شُرَكَائِي).
يذكرهم، ويخبر عما يسألون يوم القيامة وما يكون من جوابهم لذلك السؤال؛ لعلهم يمتنعون عن ذلك، ويحذرون؛ يقول: (وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ أَيْنَ شُرَكَائِي) أي: أين الذين تزعمون أنهم شركائي في الدنيا؟ أو أين الذين تعبدون في الدنيا وتزعمون أنها آلهة، وأنها شفعاء لكم عندي؟ وإلَّا لا يحتمل أن يقول لهم الرب - جل وعلا -: أين شركائي؟ ولا شريك له ولا إله غيره، ولكن ما ذكرنا.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (قَالُوا آذَنَّاكَ مَا مِنَّا مِنْ شَهِيدٍ).
قَالَ بَعْضُهُمْ: (آذَنَّاكَ): أسمعناك.
وقيل: أعلمناك.
والأشبه أن يكون معنى (آذَنَّاكَ): أخبرناك؛ إذ اللَّه تعالى كان عالما بذلك، وإعلام العالم لا يتحقق، أما الإخبار للعالم عن الشيء يتحقق بما علم به، واللَّه أعلم.
ثم اختلف في ذلك أنه قول من؟: قَالَ بَعْضُهُمْ: هو قول أُولَئِكَ الكفرة الذين نودوا يومئذ يقولون: أخبرناك أن لم يكن منا أحد شهيدا بذلك، أو يقولون بالشريك، أو بإلهٍ سواك، يخرج على الإنكار والجحود والكذب أنهم لم يقولوا ذلك، ولم يفعلوا، وهو كما ذكر عنهم في آية أخرى: (وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا. . .) الآية، فقالوا: (وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ)، أنكروا ما كان منهم من الإشراك؛ فعلى ذلك قوله: (آذَنَّاكَ مَا مِنَّا مِنْ شَهِيدٍ)، أي: لم نشرك بك أحدا، ولم نتخذ من دونك إلها، واللَّه أعلم.