قال: (وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ. .) الآية، قد بين السبيلين جميعًا بيانا شافيا، وأقام لكل ذلك حججا وبراهين، وبين أن من سلك سبيل كذا، أفضاه إلى كذا في العاقبة: إما نعيم دائم وسرور دائم، وإما عذاب دائم وشرور دائمة، فمن سلك السبيل الذي عاقبته النار والحزن، فمن قِبَلِ نفسه أتى ذلك، وهو الذي أوقع نفسه في ذلك، ومن سلك السبيل الذي جعل عاقبته الجنة والنعم الدائمة فيه، واختياره وصل ذلك، فهو تفسير قوله تعالى: (وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ)، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ وَمَا تَخْرُجُ مِنْ ثَمَرَاتٍ مِنْ أَكْمَامِهَا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ أَيْنَ شُرَكَائِي قَالُوا آذَنَّاكَ مَا مِنَّا مِنْ شَهِيدٍ (47)
أجمع من آمن باللَّه تعالى، وصدق رسله - عليهم السلام - من أهل السماء وأهل الأرض أن ليس عندهم علم بوقت الساعة؛ فإن ذلك خفي عليهم لا يعلمونه، وأن علم ذلك عند اللَّه تعالى، وهو ما قال - عَزَّ وَجَلَّ -: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا. . .) الآية؛ غير الباطنية والروافض؛ فإن علم ذلك عندهم على مذهبهم وفي زعمهم:
أما الروافض: فإنهم يعدون الأئمة ويقولون: إن الساعة على إمام كذا، وفي زمان كذا.
وأما الباطنية يقولون: إن اسم الساعة والقيامة ونحو ذلك إنما هو اسم قائم الزمان وإنه فلان، فعلى قولهم يظهر وقت قيامها، فهو خلاف ما ذكر في الكتاب، وما أجمع عليه أهل السماء والأرض، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَمَا تَخْرُجُ مِنْ ثَمَرَاتٍ مِنْ أَكْمَامِهَا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ).
جائز أن يكون ما ذكر من إخراج الثمرة من الأكمام وما ذكر من حمل الأنثى ووضعها، وهو موصول بقوله: (إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ)، فإن كان على ذلك، فمعناه لا يعلم ذلك كله إلا هو، لا يعلم وقت خروجها ولا حدها، وأنها تخرج أو لا، وكذلك الولد لا يعلم كيفية علوقه ولا وقته ولا مقداره، وأنه يعلق أو لا، علم ذلك إلى اللَّه تعالى كعلم الساعة، واللَّه أعلم.
وجائز أن يكون قوله: (وَمَا تَخْرُجُ مِنْ ثَمَرَاتٍ مِنْ أَكْمَامِهَا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ) على الابتداء، ليس على الصلة بالساعة، ولكن موصول بما تقدم من قوله: (وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ)، (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً. . .) إلى آخر ما ذكر؛ فعلى ذلك يقول - واللَّه أعلم -: ومن آيات ألوهيته ووحدانيته وآيات