وقَالَ الْقُتَبِيُّ وأَبُو عَوْسَجَةَ: (اشْمَأَزَّتْ): أنكرت وذعرت، ويقال في الكلام: ما لي أراك مشمئزا؟ أي: مذعورًا، ويقال: اشمأز المكان، أي: بعد.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: (اشْمَأَزَّتْ): استكبرت وكفرت، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (قُلِ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (46)
أمر رسوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - أن يقول لهم، وهو كلام التوحيد.
وقوله: (فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) يحتمل: مبدئ، ويحتمل: مبدع، أو خالق السموات والأرض، واللَّه أعلم.
وقوله: (عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ).
يحتمل قوله: (عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ) ما أشهد الخلق بعضهم على بعض، هو عالم ذلك كله.
أو الغيب: ما غاب عن الخلق كلهم، والشهادة ما شهده الخلق.
أو أن يكون قوله: (عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ)، أي: عالم ما يكون أنه يكون، والشهادة: ما قد كان، يعلم ذلك كله: يعلم ما يكون أنه يكون، وما كان يعلمه كائنًا، واللَّه أعلم.
وقوله: (أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ).
يوم القيامة؛ كقوله: (فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. . .) الآية.
أو أن يكون قوله: (أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ): في هذه الدنيا، فهو يخرج على وجوه:
أحدها: ما جعل اللَّه في خلقتهم إثبات الصانع وشهادة الوحدانية لله - عَزَّ وَجَلَّ - وألوهيته.
والثاني: بما أنزل اللَّه من الكتب والرسل، وبين لهم فيها ما لهم وما عليهم.
ثم إن كان في الآخرة فجائز ألا يكون يحكم بيننا فيما وسع علينا الحكم في الأمر في الدنيا، ويرتفع المحنة به في الآخرة من نحو الأحكام التي سبيل معرفتها بالاجتهاد، ولا يحكم بيننا بشيء من ذلك، وأما ما كان غير موسع علينا في الدنيا ترك ذلك، وهو مما لا يرتفع المحنة به في الدارين جميعًا: من نحو التوحيد والدِّين فذلك يحكم بيننا في الآخرة، واللَّه أعلم.
وقوله: (وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ مِنْ سُوءِ الْعَذَابِ