الأصنام التي عبدوها، وهو ما قال - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ)، ونحو ذلك ما ابتلاهم بالشدائد والبلايا عرفوا أن معبودهم الذي عبدوه لا يملك دفع ذلك عنهم ولا كشفه، وإنما المالك لذلك هو اللَّه المعبود الحق.
ثم تناقض قولهم؛ لأنهم كانوا ينكرون رسالة النبيين بقولهم: (أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَسُولًا)، فيرون للخشب والأشجار الألوهية والعبادة، فذلك تناقضٌ ظاهر.
قَالَ بَعْضُهُمْ في قوله: (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى) أي: مقربة فيشفعون لنا إلى اللَّه تعالى.
وقوله: (إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ)، وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ).
قال أبو بكر: لا يهدي أحدا بالضلال والكفر، ولكن إنما يهدي بضد الضلال والكفر، أو كلام نحوه.
وقال الجبائي: لا يهدي طريق الجنة في الآخرة، أي: لا يهدي من كان في الدنيا كاذبًا كفارًا في الآخرة طريق الجنة.
وجائز أن يكون قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ) من صِلَة قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى) و (هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ)، كفار لنعمه بصرفهم العبادة إلى غير المنعم.
وقال جعفر بن حرب: إن اللَّه لا يهدي إلى الزيادات التي يهدي ويعطي من اختار الهدى؛ لأنه يقول: إن من اختار الهدى واهتدى كان عند اللَّه لطفًا ورحمة يعطي ذلك زيادات وفضل زيادة على ما كان اختاره؛ كقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ).
هذه التأويلات كلها للمعتزلة، وأما عندنا فإن قوله: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي) من هو في علمه أنه يختار الكفر وقت اختياره الكفر والضلال، أي: لا يوفقه للهدى ولا يعينه وقت اختياره الكفر، ولكنه يخذله؛ وكذلك يقول في قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) و (الْكَافِرِينَ) ونحوه أي: لا يهديهم وقت اختيارهم الكفر والظلم، والله الموفق.
والثاني: (لَا يَهْدِي)، أي: لا يخلق فعل من هو فعل كفر فعل هدى، ولكن يخلقه