(40)

فلو كانت الجنة تفنى وَينقطع ما فيها، لكان فيها خوف وحزن؛ لأَن من خاف في الدنيا زوال النعمة عنه وفوتها يحزن عليه، وينغصه ذلك، ولهذا وصف الدنيا بالخوف والحزن لما يزول نعيمها ولا تبقى، فأَخبر عَزَّ وَجَلَّ أَلا خوف عليهم فيها؛ أي: خوف النقمة، ولا حزن، أَي: حزن فوات النعمة.

(وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) دل أنها باقية، وأن نعيمها دائم، لا يزول.

وكذلك أخبر عَزَّ وَجَلَّ أن الكفار في النار خالدون وأَن عذابها أليم شديد، فلو كان لهم رجاء النجاة منها لخف ذلك العذاب عليهم وهَان؛ لأَن من عوقب في الدنيا بعقوبة، وله رجاء النجاة منها وإن ذلك عليه وخف، وباللَّه التوفيق.

* * *

قوله تعالى (يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (40) وَآمِنُوا بِمَا أَنْزَلْتُ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ (41) وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (42) وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ (43) أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (44) وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ (45) الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (46).

وقوله: (يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ).

يحتمل وجوهًا:

يحتمل قوله: اذْكروا نعمتي التي خصصت لكم دون غيركم من نحو ما جعل منكم الأَنبياء، والملوك، كقوله: (وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ).

ويحتملُ (اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ) ويعني: النجاة من فرعون، حيث كان يستعبدكم ويستخدمكم ويستحيي نساءكم، كقوله تعالى: (يُقَتِّلُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ. . .) الآية.

ويحتمل: (اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ) ومن نحو ما أَعطاهم - عَزَّ وَجَلَّ - المن والسلْوَى، وتظليل الغمام وغير ذلك من النعم، ما لم يُؤت أَحدًا من العالمين، خصوا بذلك من دون غيرهم. وقيل: نعمتُه مُحَمَّد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - بعث وقتَ اختلافهم في الدِّين، وتَفرقهم فيما كان عليه مَنْ مَضى من النبيين ليدُلهم على الحق من ذلك، ويؤلف بينهم بالبينات.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015