ثم اختلف في الوجه الذي أوصل إبليسُ إليه الوسوسة:
فقال الحسن: كان آدم - عليه السلام - في السماء وإبليس في الأَرض، ولكنه أوصل إليه بالسبب الذي جعل اللَّه لذلك.
وقال قوم: كان خاطبهُ في رأْس الحية.
وقيل: تصور بغير الصورة التي كان عليها عند قوله: (إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لكَ وَلِزَوجِكَ. . .) فاغتر به، ولو عرفه لما اغتر به بعد أَن حذره اللَّه عنه، واللَّه أَعلم كيف كان ذلك.
وعلى ذلك اختلف في الوجوه التي يوسوس إلى بني آدم:
منهم من يقول: يجري بين الجلد واللحم كما يجري الدم، فيقابل وجه بصره بقلبه؛ فيقذف فيه.
ومنهم من يقول: هو بحيث جُعلَتْ له قوة إيصال الخطر ببَاله، والقذف في قلبه من الوجه الذي جعل له، وذلك لا يعلمه البشر.
ومنهم من يقول: إن النفس كأَنها سيالة في الجسد، دائرة في جميع الآفاق، لولا الجسد الذي يَحبسه لكان له الانتشار، على ما يظهر في حال النوم عند سكون جسده، ومن ذلك سلطان فكرة الرجل على مَنْ في أَقصى بقاع الأَرض حتى يصير له كالمعاين؛ ففي ذلك يكون قدحه وقذفه.
ونحن نقول -وباللَّه التوفيق-: إنا لا نعلم حقيقة كيفية ذلك، لكن اللَّه تعالى جعل للحق أَعلامًا، وكذلك للباطل.
وكل معنى يدعو إلى الباطل، ويحجب عن الحق، فهو عمل الشيطان، يجب التعوذ
منه والفزع إليه وإن لم يعلم حقيقة كيفية ذلك؛ قال اللَّه تعالى: (وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ).
وقال اللَّه عَزَّ وَجَلَّ: (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا).
وقال الحسن في قوله: (مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ) وقد علم - آدم أن الملائكة أفضل، وقد علم ألا خلود يكون معه، وقد أُخبر أَنه يموت، وقد علم أَنه لا يكون مَلَكًا، وقد خلق من طين والملائكة من