وقد يحتمل النهي أن يخرج مخرج المنع؛ ليكون غيره هو الذي يبدأ به، ويُخص ذلك لغيره، لا على التحريم، نحو الآمر بالمعروف، فيما يمنع الرجل ولده عن التناول مما يريد به غيره، لا على التحريم.
واذا احتمل ذا، ثم بُيِّن له عظيمُ ما في ذلك من البركة من غير أَنْ عاين عدُوه ليعلم أَن ذلك صنيعه.
وجائز أَن يسبق إليه أَن ذلك إِشارةُ مَلَكٍ أَو إِلهام في النفس -على ما يكون لكثير من الأخيَار- إلا أَنه من وحي عدُوه، فدعته نفسه إلى الأكل، فيكون كالناسي والجاهل بحقيقة وجه النهي، وإن كان تعمد أَكله، ولا قوة إلا باللَّه.
والأَصل في هذا أَن فعله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - إن كان على نسيان العهد، أو على المذكر له، فإن الذي أَصابه عقوبة.
وإنِ كان بالذي يكون به المحنة، فلولا أَن اللَّه إِنْ يعاقبه على ما فعله لم يكن ليُغير عليه نعمة أنعم عليه بعذاب، وقد قال: إنه لا يُغَير نعمَة التي أنعمها على قوم حتى يغَيروا ما بأَنفسهم.
وما لا يحتمل العقوبة بالتغيير لم يكن ليفعل بعد وعده ذلك، مع ما قد اعترفا بالظلم؛ إذ قالا: (رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا. . .) الآية.
وقد قال اللَّه تعالى: (وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى). وقد كان قال لهما: (فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ). فكان فيما بُليَ به وجهان: أحدهما: أن ذلك لم يُزِل عنهما اسمَ الإيمان، ولا دعيا إليه بعدُ لفعلهما ذلك.
ثبت أنه لا كل ذنب يزيل اسمَ الإيمان، وإن الذنُوب لا يُحقَّق فيها الكذب فيما اعتقد ألا يعصي اللَّه في شيء.
وفي ذلك فساد أهل الخوارج والمعتزلة، وبيان أن قوله: (وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ