أي: حاذقين مجيدين، أي: لهم حذاقة وبصر في نحت البيوت في الجبال؛ يقال: فلان فاره في أمر كذا، أي: حاذق.
و (فَرِهِينَ): أشرين بطرين، أي: فرحين.
قَالَ الْقُتَبِيُّ: والفرح: قد يكون السرور، ويكون الأشر، ومنه قول اللَّه - تعالى -: (إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ) أي: الأشرين.
قال: ومن قرأها (فَارِهِينَ) - بالألف - فهي لغة أخرى؛ يقال: فره، وفاره؛ كما يقال: فرح، فارح، ويقال: فارهين: حا ذ قين.
وقال أَبُو عَوْسَجَةَ: فَارِهِينَ وفرحين، أي: مسرورين، ويقال: فره يفره فرهًا، فهو فَرِهٌ وفاره.
وقوله: (فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (150) وَلَا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ (151) يقول - واللَّه أعلم -: اتقوا نقمة اللَّه في مخالفتكم أمره، وأطيعون ولا تطيعوا أمر المسرفين، أي: لا تطيعوا أمر من ظهر لكم منه الإسراف والفساد، ولكن أطيعوا أمري؛ إذا لم يظهر لكم مني إسراف ولا فساد، ولا تطيعوا الذين تعلمون أنهم يفسدون في الأرض ولا يصلحون.
أو أن يكون قوله: (وَلَا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ) مؤخرا عن قوله: (مَا أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا)؛ يقول لهم صالح: تتركون طاعتي والإجابة لي لأني بشر مثلكم؛ فلا تطيعوا إذن بشرا هو دوني، وهم الذين ظهر لكم منهم الفساد والإسراف، ولم يظهر لكم مني شيء: يخبر عن سفههم وقلة تمييزهم؛ حيث تركوا اتباع الرسل وطاعتهم؛ لأنهم بشر دونهم في كل شيء، ثم أجابوا صالحًا في قوله: (وَلَا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ).
فقالوا: (إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ (153) اختلف فيه:
قَالَ بَعْضُهُمْ: يقولون: إنما أنت سوقة مثلنا، لست بأفضلنا، وإنما نتبع نحن الملوك وذا ثروة من المال، وأنت لست بملك ولا لك ثروة، فهُم - واللَّه أعلم - طعنوا صالحًا كما طعن كفار مكة رسول اللَّه حيث قالوا: (مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ).
وقَالَ بَعْضُهُمْ: يقولون: أنت بشر مثلنا في المنزلة، لا تفضلنا بشيء لست بملك ولا رسول، (فَأْتِ بِآيَةٍ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (154) بأنك رسول، فنتبعك كما أطعنا أُولَئِكَ وأُولَئِكَ.