وقال أَبُو عَوْسَجَةَ: (قَوْمًا بُورًا): لا خير فيهم، ورجل بائر؛ وكذلك قال ابن زيد: بورا أي: ليس فيهم من الخير شيء.
وقال قتادة: بورا: فاسدين، بلغة أهل عمان، وقال: " ما نسي قوم ذكر اللَّه قط إلا باروا وفسدوا ".
وقوله: (وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا): أما على قول بعض الخوارج: كل ظلم ارتكبه فهو في ذلك الوعيد على أصل مذهبهم.
وعلى قول المعتزلة: كل صاحب كبيرة في ذلك الوعيد.
وأما على قول المسلمين: فذلك الوعيد لمرتكبي الظلم: ظلم كفر وشرك، وأمَّا ما دون ذلك فهو في مشيئة اللَّه: إن شاء عذبه، وإن شاء عفا عنه.
وقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا (20) قد ذكرنا فيما تقدم أن هذا إنما أخرج جوابًا لقول أُولَئِكَ: (مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ)، فأخبر أن الرسل الذين كانوا من قبل مُحَمَّد كانوا يأكلون الطعام، ويمشون في الأسواق على ما يأكل هو ويمشي.
ثم من الناس من كره الركوب في الأسواق بهذا، وقال: إنه أخبر عن الأنبياء والرسل جملة أنهم كانوا يمشون في الأسواق، لم يذكر منهم الركوب؛ فدل ذلك منهم أنه مكروه منهي عنه؛ فيشبه أن يكون ما قال هَؤُلَاءِ، وأنه يكون مكروهًا؛ لأنه يخرج الركوب في الأسواق مخرج التعزز والمباهاة؛ فالواجب على كل مسلم أن يكون تعززه بالإسلام وبدينه الذي اختاره اللَّه تعالى، وخاصة على العلماء يجب أن يكون تعززهم ومباهاتهم بالعلم الذي أعطاه اللَّه لهم وأكرمهم؛ فإنه عز لا يُعْقِبُهُ ذلاًّ: ولا يورثه صغارا ولا قهرا، وأمَّا كل عز كان سوى ما ذكرنا فهو إلى ذل ما يصير سريعًا، كأنه ليس بعز في الحقيقة، ولو تأصَّل، واللَّه أعلم.
وقوله: (وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً): الفتنة كأنها هي المحنة التي فيها شدة وبلاء.
ثم قال أهل التأويل: إنه لما أسلم عبد اللَّه وأبو ذر وعمار وبلال وصهيب وأمثال هَؤُلَاءِ، قال الفراعنة من قريش نحو أبي جهل والوليد وأمثالهما: انظروا إلى هَؤُلَاءِ الذين اتبعوا محمدا، اتبعوه من موالينا وأعرابنا رذالة كل قوم، فازدروهم وآذوهم واستهزءوا