وقوله: (فَمَا تَسْتَطِيعُونَ صَرْفًا وَلَا نَصْرًا): هذا يحتمل وجوها:
أحدها: أي: ما يستطيع أُولَئِكَ الكفرة صرف قول من عبدوهم وتكذيبهم حين كذبوهم في قولهم.
(وَلَا نَصْرًا) أي: ولا استطاعوا الانتصار منهم حين كذبوهم؛ وعلى ذلك يخرج قراءة من قرأه بالتاء: (فَمَا تَسْتَطِيعُونَ صَرْفًا وَلَا نَصْرًا).
والثاني: يحتمل: (فما يستطعون) أُولَئِكَ المعبودون صرف عذاب اللَّه ونقمته عنكم، ولا كانوا لهم نصراء؛ لأنهم قالوا: (هَؤلَآءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللَّه)، و (مَا نعبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى).
والثالث: (فَمَا تَسْتَطِيعُونَ صَرْفًا) أي: فداء، (وَلَا نَصْرًا) أي: لا يقبل منهم الفداء، ولا كان لهم ناصر ينصرهم في دفع العذاب عنهم؛ كقوله: (وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا تَنْفَعُهَا شَفَاعَةٌ).
وقَالَ الْقُتَبِيُّ وأَبُو عَوْسَجَةَ: قَالَ بَعْضُهُمْ: الصرف: النافلة، سميت صرفًا لأنها زيادة على الواجب، والعدل: الفريضة. وقد روي في الخبر: " من طلب صرف الحديث ليبتغي به إقبال وجوه الناس، لم يرح رائحة الجنة " أي: من طلب تحسينه بالزيادة فيه.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: الصرف: الدية، والعدل: رجل مثله؛ كأنه يريد: لا يقبل منه أن يفتدي برجل مثله وعدله، ولا يصرف عن نفسه بديته، ومنه قيل: صارفي، وصرف الدرهم بالدنانير؛ لأنك تصرف هذا إلى هذا، وأصله ما ذكرنا.
قَالَ الْقُتَبِيُّ وأبو عبيدة: (قَوْمًا بُورًا)، أي: هلكى، وهو من بار يبور؛ إذا هلك وبطل؛ يقال: بار الطعام، إذا كسد، وبارت الأيم؛ إذا لم يرغب فيها، وفي الخبر: " كان رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - يتعوذ من بوار الأيم ".
قال أبو عبيدة: يقال: رجل بور وقوم بور لا يثنى ولا يجمع.