كان على الوجوب واللزوم لم يكونوا يتركون لازمًا واجبًا عليهم؛ فدل تركهم المكاتبة على أنه خرج مخرج الترغيب عليها، والحث لا على الوجوب، واللَّه أعلم.
وقوله: (فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا) اختلف فيه:
قَالَ بَعْضُهُمْ: أي: كاتبوهم إن علمتم أنهم يرغبون في أنواع الخير، وإقامة الصلاة، وأنواع الصلاح، وفرغوا أنفسهم لذلك.
قَالَ بَعْضُهُمْ: إن علمتم فيهم خيرًا، أي: وفاء وأمانة وصلاحًا، وهو قول الحسن.
وتأويل هذا: أي: كاتبوهم؛ إن علمتم أنهم يقدرون على وفاء ما كوتبوا، وأداء ذلك.
وقال قائلون: (خَيْرًا) أي: حيلة.
وقال قائلون: مالا.
وقال قائلون: (خَيْرًا)، أي: حرفة، ورووا في ذلك خبرًا عن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - مفسرا عن يحيى بن كثير قال: قال رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: " إن علمتم فيهم خيرًا - أي: حرفة - ولا ترسلوهم كَلًّا على الناس ". إن ثبت هذا لا نحتاج إلى غيره من التفسير، ولو كان قال: إن علمتم لهم خيرًا، جاز أن يقال: معنى (خَيْرًا) مالًا، ولكنه قال: (إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا) [الجاه الذي] والمال لا يكون فيهم، وإنما يكون لهم؛ فأشبه ذلك - واللَّه أعلم - أن يكون الخير حرفة في الخير أو وفاءه، وأمانته، ثم في الآية دلالة أن العبيد لا يملكون شيئا؛ لأنهم لو كانوا يملكون لكان يرغبهم ويحثهم على العتاق دون الكتابة، فدل ترغيبه إياهم عليها أنهم لا يملكون حتى تجعل الكتابة الكسب لهم والخدمة دون المولى.
وفي الكتابة أيضًا نظر للموالي؛ لأنهم إن قدروا على وفاء ما قبلوا أداءه، وإلا كان للموالي ردهم إلى منافع أنفسهم، ولو كان عتقًا لم يملكوا ردهم إلى منافع أنفسهم،