أحدها: ما روي عن نبي اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: " يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم؛ فإنه له وجاء " ونحوه، يطلب أسباب العفة إن لم يكن عنده ما ينكح حتى لا يقع في الزنا إلى أن أغناه اللَّه، كقوله عليه السلام: " من استعف أعفه اللَّه ".
وجائز أن يكون قوله: (وَلْيَسْتَعْفِفِ) أي: يتعفف الذين لا يجدون نكاحا، لم يجعل اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ - للذي عجز عن النكاح استباحة الفروج والاستمتاع بها زنا إذا لم يكن عنده ما ينكح، كما جعل في الأموال وغيرها - رخصة التناول في ملك غيره عند الحاجة والضرورة ببدل؛ لوجوه:
أن رخصة التناول في ملك غيره إنما تكون عند الضرورة، والضرورات لا تقع في الفروج، وفي الاستمتاع بها بحال؛ لذلك لم تبح.
والثاني: الاستمتاع بالنساء في الأصل كأنه إنما جعل وأبيح لبقاء النسل والتوالد، لا لحاجة أنفسهم وقضاء الشهوة، فإذا لم يكن عنده ما ينكح ارتفع عنه إبقاء النسل والتوالد.
والثالث: أن السعة والغَناء وأنواع النعم هي الداعية إلى الحاجة، وقضاء الشهوة، فإذا كان فقيرًا لا يجد ما ينكح زال عنه الأسباب التي تدعو إلى ذلك؛ لذلك لم يبح، وأما الحاجات والضرورات وما ذكرنا كلها تقع في الأموال، وإنما الحاجة في التناول منها لأنفسهم ولإبقائها؛ لذلك افترقا، واللَّه أعلم.
ثم في قوله: (حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ)، وقوله: (إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ) ووجهان من المعتبر على نقض قول المعتزلة:
أحدهما: أنه أضاف الإغناء إلى نفسه، وهو ليس يعطي أحدًا شيئا يطرحه ويلقيه في يده بلا سبب، ولكن إنما يغنيه ويعطيه بأسباب تجعل لهم؛ فدل إضافة الإغناء إلى نفسه على أن له في تلك الأسباب التي فيها لهم غناء صنعًا وفعلا، ليس على ما تقوله المعتزلة أن لا صنع لله في أفعال عباده.
والثاني: فيه دلالة: أن غناهم وسعتهم فضل منه ورحمة لا شيء يستوجبون هم بأنفسهم ذلك قبله، لكن إفضالا منه لهم وإحسانًا؛ إذ لو كان عليه ذلك كان منه عدلا لا فضلا؛ فدل تسمية الفضل ذلك على أن من أعطاه اللَّه يقال: ذلك أعطاه فضلا منه وإنعامًا