يكن للناظر في ذلك شهوة بأن كان شيخًا كبيرًا، أو كانت المرأة دميمة، أو عجوزًا فإنه لا يحظر النظر إلى وجوه أمثالهن، ولا ينظر إلى ما سوى ذلك، وأصله قول اللَّه - تعالى -: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ).
ومما يدل على أن الوجه والكفين جائز ألا يكون بعورة أن المرأة لا تصلي وعورتها مكشوفة، ويجوز أن تصلي ووجهها ويداها ورجلاها مكشوفة.
فإذا كان كذلك دل ذلك على أن النظر إلى ذلك جائز إذا لم يكن ذلك لشهوة؛ دخل في ذلك معنى قول رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: " العينان تزنيان "؛ لأن زناء العين لا يكون إلا النظر للشهوة، فإذا كان لشهوة دخل في ذلك معنى قول رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -.
وروي في الخبر عن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - ما يدل على أن الوجه والكفين ليسا بعورة، وهو ما روي عن عائشة قالت: دخلت عليَّ أختي أسماء وعليها ثياب شامية رقاق، وهي اليوم عندكم صفاق، فقال رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: " هذه ثياب لا تحبها سورة النور فأمر بها فأخرجت "، فقلت: يا رسول اللَّه، زارتني أختي فقلت لها ما قلت، فقال: " يا عائش، إن الحرة إذا حاضت لا ينبغي أن يرى إلا وجهها وكفَّاها "، فإن ثبت هذا عنه فهو يبين ما ذكرنا، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ) قد ذكرنا أن المرأة يكره لها النظر إلى الرجال من غير محرمها كما يكره للرجل النظر إلى المرأة الأجنبية؛ ألا ترى أنه روي أن أعميين دخلا على رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - وبعض أزواجه عنده - عائشة وأخرى - فقال لهما رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: " قُومَا "، فقالتا: إنهما أعميان يا رسول الله!! فقال لهما: " هما وإن كانا أعميين فأنتما لستما بأعميين "، أو كلام نحو هذا، فدل أنه ما ذكرنا.